قالها لي محمد قبلان ورحل :” اوعك تقع”

قالها لي محمد قبلان ورحل :” اوعك تقع”

السفير نيوز 

“محمد قبلان” .. عرفته بهذا الاسم الذي لازمه طويلا .. كنت طفلا على مدارج الرجوله اتهيء للحصول على فيزا تدخلك عالم الرجولة والمهابة .

ففي عرف العشيرة الرجولة والهيبة خط احمر لا يقترب منه الا الجسور .

مهابة محمد قبلان ورجولته كانت محط انظار الصبية من أبناء العشيرة ، حين يصطف بسيارته المرسيدس ، حين ينزل منها بنشاط مفرط ، حين يمشي، حين يجلس، حين يضحك ،حين يدخن السيجار الفاخر ، قبل ذلك وبعده كنت اراقب حركة يده وهو يتحدث بصوت عالي ؛ حديث الواثق الصادق المحب .

محمد قبلان كان حديث السهرات ، كيف لفتى من ابناء جلدتنا ان يخترق عالم المال والبزنس بهذه الثقة والقوة والسرعة .

ابناء جيلي كان يحلم بان يصل الى ما وصل اليه ، رجل عركته الحياه ، تصارع معها، صرعها حينا ، وصرعته احيانا ، لكنه ظل واقفا كشجرة الزيتون ، في احلك المواقف واصعبها ،حين تضيق عليك الحياة كان يظهر ليشد من ازرك ويشجعك على الاستمرار .

يختزل بذرة الحياة بالاصرار على النجاح ويردد كلمتين اكتشفت بعد سن متأخره انهما يلخصان كل الحياة بتفاصيلها ، الكلمتين هما ؛ ( اوعك تقع) وكأنه يقول ( خليك واقف) وكان يردف ايضا من حكم الحياه ان الذي يقع تكثر عليه السكاكين.

دخل معترك السياسة من باب المال ، عرفه اهل عمان باسم محمد قبلان .

في صفقات الشراء الكبرى حين كان المليون رقما محرما كانت الصفقات التجارية تجري في مكتبه ،فاذا قال محمد قبلان ؛ عندي ، تمت الصفقه .

لم اعرف رجل حكمه في محيطي العائلي كما عرفت .

كان يوجه جيلنا بكلمات طاهره ، يقولها لكبارنا ويعنينا بها ، اول ما سمعت منه وانا طفل موجها كلامه لعدد من أبناء العمومة:( لا تخاف، الرجل ما يخاف ، دبها وتوكل على الله، العمر واحد).

شكل لي ولابناء جيلي مداميك الرجوله الاولى بكلمات كان يغرسها فينا مثل المسمار في الخشب تماما ، يتركنا لسنوات فنعلق على المسامير تعبنا وهمنا وبؤسها ، فنتذكر ابو هشام الضاحك دوما،صاحب الحكمة .

كبيرا كان ، سمعت ابي يتحدث بحب عن محمد قبلان ونجاحاته وكيف اشترى اصطول النقل البري كاملا من الشريف ناصر ، كان ابي يحبه بشغف لم اره في حياتي ، كان يتحدث بحب وفرح عن محمد قبلان ومواقفه الرجولية ، تعلقت بالرجل قبل ان اراه، صار حلما اخبئه بين دفاتري، احمله في شنطتي المتواضعه في الى غرفة الصف المتهالكة في مدرسة ابن الانباري في الهاشمية.

ذات مناسبة اصطفت سيارة المرسيدس الفارهه باب بيت الشعر ونزل رجل ذو مهابة وجلال ، وقف الجميع وقفت معهم وانا اتلمس سخونة يد والدي، كان والدي مشدودا الى الضيف، الذي جلس في الوسط ، ثم بدأ بالحديث وكأنه جاء ليتم حديثا لم يكتمل ، همست لوالدي من الرجل؟ ؛ لم يجب .

شدني فضولي لتتبع حديث الرجل ؛ كل حديثه عن الرجولة وهيبة الرجال ومواقف الرجال؛ وهذه نقاط الشد الاقوى لابن العشيرة،الذي يرى في الموقف والكرم وقدرة التحمل، وغيرها نقاط الارتكاز للرجولة ، كلمة واحدة تختزل كل شئ عندهم حين يصف لك احدهم ،يقول ؛ انه رجل ، وهذا يكفي المتحدث عناء الشرخ والتفصيل.

انبهرت بالرجل الذي دخل ، قلت في نفسي هناك رجال اهم من محمد قبلان وهذا احدهم.

في نهاية السهرة بعد ان تشربت من الرجل كل كلماته وكل حركاته قال لي ابي : قوم سلم على عمك محمد قبلان .

يا الله هذا هو محمد قبلان ، حلمي وملاذي ؟

سلمت عليه بضربة قوية من يدي ، قال لي وانا ابن الثامنه كلمات استحضرها دوما في العديد من المواقف : (عمي، خليك رجل ، لا تهاب ولا تخاف ، ادعس باللي هي بيه.. فاهم ؟).

قلت له: (فاهم) في حينا لم اكن فاهم بالمعنى العملي .

عندما عركتني الحياة بانيابها القاسيه كنت استحضر كلمات قالها ذاك الرجل الذي كان يأتينا بالحكمة ويغادر على عجل ، مثل ولي يسدي لنا النصيحة ويغادر ، اكاد ان اقع من هول الضغط وقسوتها وتعبها، اقسم بالله انني في الاوقات العصيبة كنت اراه امامي بهيبته ،ببدلته الكحلية ،بضحكته، يشير الي بالسبابة ويقول : ( اوعك تقع).

اتمثل كلامة..الملم جراحي والشظايا واقوم من جديد وانا نصف واقف ونصف جالس .

محمد قبلان ..رجل لن يتكرر لدى ابناء جيلي ، لكنني اعتقد ان محمد قبلان او شبيهه في الحكمة والمهابة موجود في الكرك والطفيلة والسلط واربد ومعان والعقبة وعجلون وجرش والمفرق ومادبا مثلما هو موجود في الزرقاء ، في كل محافظة هنالك محمد قبلان .

بالامس نهارا لازمني حزن وكآبه لم اجد لها تفسيرا، بعد الافطار فتحت صفحتي على الفيسبوك ، واذا بها سواد قاتم، (وقع محمد قبلان) توفي ابو هشام ، فعرفت سبب كآبتي طيلة النهار،كانت روحي متعلقة بروحه ، كان يقاسي سكرات الموت وانا لا اعلم.

اي نعي يليق بك يا عم، اي رثاء يفيك حقك، لماذا وقعت، وكنت تبث بي دوما حكمتك ان لا اقع .

رحمك الله في مرقدك ابا هشام، لنا من بعدك العزاء والحسرة ، فعلى مثلك تبكي الرجال ، انا لله وانا اليه راجعون ، ولا حول ولا قوة الا بالله.