تحسين أحمد التل يكتب: الأردن كيان سياسي، واجتماعي وثقافي عظيم

تحسين أحمد التل يكتب: الأردن كيان سياسي، واجتماعي وثقافي عظيم

السفير نيوز

تمتد جذور الأردن في عمق الحضارات، إذ يؤكد التاريخ على أن هناك ممالك، وإمارات، ودول نشأت على الأرض الأردنية، إضافة الى أن الأردن ساهم في قيام الدولة العباسية، عندما احتضنت الأرض الأردنية الأئمة من آل عباس عم الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وكانت الحميمة شكلت الملاذ الآمن للخلفاء العباسيين قبل أن تبدأ دعوتهم في خراسان، والعراق، وبقية الدول الإسلامية، واستمرت الخلافة العباسية أكثر من سبعمائة وسبعة وستين عاماً، ابتدأت في الكوفة من العراق عام سبعمائة وخمسين ميلادية، وانتقلت العاصمة الى بغداد، وفيما بعد الى سامراء، وانتهت الخلافة في القاهرة عام ألف وخمسمائة وسبع عشرة ميلادية، بفعل قيام الدولة العثمانية، وقد حلت مكان الخلافة العباسية.

لم نكن في عمق التاريخ إلا مؤثرين في الحضارات التي قامت في الأردن، أو من صناع المجد، ولم نكن في يوم من الأيام إلا بناة حضارة، وضع أجدادنا بصمات يمكن رؤيتها وتلمسها في البتراء، والكرك، وإربد، وعمان، ومادبا، وذيبان، وهي أماكن تدل على عظمة الأردنيين منذ مئات وآلاف السنين.

قامت مملكة الأنباط في الأردن، وعاصمتها البتراء، وامتدت على مساحة كبيرة جداً وصلت الى سيناء في مصر، والحجاز، وفلسطين، وبعض المدن السورية، وأشرفت مملكة الأنباط على قوافل التجار بين مصر والشام عبر الأردن، وكانت شواطىء غزة هي الموانىء البحرية لمملكة الأنباط الأردنية، وخزنتهم التي كانت بمثابة بنك مركزي لدول المنطقة، وصولاً الى عدد من الدول الأوروبية وعلى رأسها روما العظمى.

كانت ذيبان عاصمة مملكة مؤاب، وآخر ملوكها الملك ميشع الذي عاش في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، وقد سجلت انتصارات الملك ميشع على المملكة اليهودية على حجر أثري أطلق عليه؛ مسلة ميشع، وجدت المسلة في بلدة ذيبان، وهذه المسلة موجودة في متحف اللوفر بباريس، وأثبتت الحفريات التي قامت بها المدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية؛ أن الموقع كان مأهولا بالسكان منذ أوائل العصر البيزنطي والعربي.

نشأت مملكة مؤاب في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في المنطقة الواقعة شرق البحر الميت، وامتدت من التلال الواقعة شمال وادي الموجب، ولغاية وادي الحسا جنوباً.

لم يدخل الأردن في فراغ سياسي منذ آلاف السنين، سوى في فترات معينة لم تتجاوز بضع سنين، كما حدث قبل مجيء الملك عبد الله الأول؛ ويأمر بتشكيل أول حكومة أردنية عام 1921).)

دخل الأردن كولاية من ولايات الحكومات الراشدة، والدولة الأموية، والعباسية، وأخيراً ضمن ولايات الدولة العثمانية، والخلافة الإسلامية وعاصمتها إسطنبول، كغيرها من ولايات العراق، وسوريا، والحجاز، ونجد، واليمن، ومصر، والمغرب، وتونس… الى آخر الدول التي كانت منضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية العثمانية، وقد استمرت منذ سقوط الدولة العباسية عام (1517) على يد العثمانيين، وقيام السلطنة التركية على بلاد العرب والمسلمين في آسيا وإفريقيا، وأوروبا.

خلال حكم الدولة العثمانية ظهرت أصوات قوية من جانب زعماء وقادة وأمراء، عملوا على تشكيل حكومات لم تستمر طويلاً، لكن بعض هذه الحكومات استمرت لأكثر من خمسة وأربعين عاماً، وتُعتبر حكومة الأمير ظاهر عمر الزيداني في القرن الثامن عشر، ذروة سنام الحكومات التي تشكلت في المنطقة، إذ قام الأمير ظاهر بن عمر الزيداني بتأسيس دولة مرهوبة الجانب، كانت عاصمتها عكا، وبنى سوراً ضخماً لحماية عاصمة الدولة.

استطاع الأمير ظاهر أن ينشىء دولة عاصمتها عكا في فلسطين، امتدت الى الأردن، والشام، ولبنان، وصولاً الى الشواطىء المصرية، وعقد العزم على أن تكون دولته خارج سيطرة الدولة العثمانية، فوقع اتفاقية مع الملكة كاترينا؛ ملكة روسيا، لدعمه بالأسلحة، والاعتراف بدولته، ومساندته إذا تعرض لهجوم من الدولة العثمانية، واستمرت الدولة الزيدانية أكثر من خمسة عقود زمنية.

إن مجيء الأمير (الملك) عبد الله الأول الى الأردن، بطلب من الشريف حسين بن علي ملك العرب، واستقبال زعماء الوطن في معان، كان لتعبئة الفراغ السياسي الذي تركه الأتراك خلفهم، ولعدم قدرة أبناء المدن الأردنية على تشكيل كيان سياسي، إجتماعي، إقتصادي، بسبب الإختلاف فيمن يحكم، فتعددت الآراء، والزعامات، والخلافات مما أدى الى قيام السلطات البريطانية بإرسال ضباط إنجليز للاستماع الى زعماء الحكومات المحلية، ودعم الصالح منها، أو القادر على منع تفكك المدن في الشمال، والوسط، والجنوب، سيما وأن بعض رجالات الوطن اتصلوا مع الدول المجاورة للقيام باقتطاع أو ضم الأراضي الأردنية…؟