د. عبد الله سرور الزعبي يكتب : القيادات الأكاديمية والجامعات العظيمة (2 – 4)

د. عبد الله سرور الزعبي يكتب : القيادات الأكاديمية والجامعات العظيمة (2 – 4)

السفير نيوز
إن انتقال الجامعات الأميركية إلى العظمة قام على أكتاف أعداد محدودة من القيادات كانت ترى أبعد من غيرها، ولم يحتج ذلك إلى المعجزات ولا إلى الوقت الطويل، بعض الجامعات احتاجت إلى نصف قرن إلا أن بعضها نجح بنقل التجربة بأقل من عقد من الزمن.
إن نموذج جيلمان، صاحب الأفكار التقدمية لم يتقبلها مجتمع جامعة ييل، مما أدى إلى انتقاله إلى جامعة كاليفورنيا رئيساً لها، وكان مصراً على إحداث التغيير وإنشاء جامعة لا تشبه غيرها (حسب كول) إلا أن المجلس التشريعي رفض أفكاره. حيث تم الترحيب به في جامعة جون هوبكينز، وقادها بسرعة إلى القمة حتى وصلت إلى منافسة جامعة قوتنقن الالمانية في عدد الحاصلين على جائزة نوبل في القرن الماضي. إن نموذج جيلمان أرغم رئيس جامعة هارفرد اليوت رغم تردده وتخوفه الا انه أعاد التفكير واتخذ القرار بالسير على طريقة جيلمان وحالفه الحظ بأنه لا يتم توجيه الضربات الجانبية المختلفة له لتعطيل برنامجه.
وسلي، في جامعة ييل واجه معارضة شرسة من بعض المشرعين وراسمي السياسة في الولاية عندما قرر دفع عجلة التقدم في التدريب العملي للطلبة، وعندها برزت لديه فكرة الاستقلال الأكاديمي، حتى لا يتم تعطيل الافكار التقدمية عن طريق قيام أشخاص بتوصيل معلومات غير صحيحة وممارسة التحريض على القيادة الأكاديمية بهدف الإطاحة بها، وتعطيل المشاريع الإصلاحية الحيوية، كما يحصل في بعض جامعات دول العالم الثالث.
تيرمان، قاد ستانفورد مسلحاً بمبدأ الاهتمام بالمستقبل، منفتحاً على التغيرات العالمية، لم يسقط في حفرة النظر الى الوراء بل واصل تقدمه للأمام (Keep going)، درس السيرة الذاتية للعاملين في الجامعة، وقام بعملية التقييم لهم ووجد منهم من لا يصلح للمهام المزمع تنفيذها، فعمل على الاستقطاب الخارجي وعين 13 عضو هيئة تدريس أحدثوا ثورة علمية هائلة، ولم يقم بتعيين أي من أصحاب التحصيل الأكاديمي المتدني عبر مسيرتهم الدراسية (لان مثل هولا لا يمكن أن يساعدوا في التقدم، وكأنه يقول بأن فاقد الشيء لا يعطيه)، كما وعزز البنى التحتية والتكنولوجية رغم شح مصادر التمويل، وخلال عقد من الزمن نقل الجامعة من المرتبة 15 الى المرتبة الخامسة من بين أعظم عشرين جامعة أميركية. تجربة ستانفورد دفعت جامعة كاليفورنيا وميتشغان ويسكونسين وغيرها لاعتماد نفس الخطة والأسلوب.
كلارك كير، استخدم سياسة التميز، وثق بان النتيجة ستكون النمو في حجم النظام والكفاءة. واجهت أفكاره الكبيرة معارضة من العاملين في الجامعة لإجهاض جهوده، الا انه تلقى دعماً من بعض السياسيين الحريصين على المصلحة العامة، ولم يستغل اي منهم هذه المعارضة لتشويه الحقائق وتقزيم الإنجاز، ويسجل له أن استحدث برنامج الدرجة الجامعية المتوسطة وزاد في أعداد الطلبة فيها لتزويد ولاية كاليفورنيا بالفنيين المهرة. وهذا ما تم العمل عليه من قبل فريق القيادة في جامعة البلقاء خلال الفترة 2016-2021 لزيادة أعداد الطلبة الملتحقين في البرامج المتوسطة وخاصة المستحدث منها، إلا أنه تمت الإطاحة به من منصبه عندما رفض استخدام القوة ضد الطلبة خلال أعمال الشغب التي اندلعت احتجاجاً على تدخل الحكومة بالجامعة والتي أثرت على استقلالها من وجهة نظرهم، والتي استغلت من قبل بعض السياسيين (يشير كول الى انه كان دور لمكتب التحقيقات الفيدرالي بذلك) ورغم ذلك لم يهتم لتغير مواقف الآخرين منه، قائلاً معظم البشر التي تنعدم لديهم الكفاءة وفاقدي المبادئ، هم كذلك (وهذا منتشر في دول العالم الثالث بشكل واسع).
يسجل لكير أنه نقل الجامعة إلى مصاف الجامعات العظمى، وهل كان كير يرى ابعد من القيادات السياسية التي اطاحت به؟ الجواب لدى عالم الاجتماع مارتن ترو، عندما قال عنه سيعرفه التاريخ بانه الرئيس الاكثر تميزا في القرن العشرين.
بالمقابل، كيرك رئيس جامعة كولومبيا، عام 1953، كان حذراً وخجولاً وغير حازم في اتخاذ القرار مع اعضاء الهيئة التدريسية ولم تكن لدية رؤية جريئة، الامر الذي ادى الى تراجع الجامعة بشكل متسارع، مما ادى الى هجرة اصحاب الكفاءة منها، ليبقى فيها القانعون بما هم عليه، نتج عن ذلك تخلف الجامعة لعقود عن نظيراتها من الجامعات التي واكبت التغيير.
كول في كتابه جامعات عظيمة يشير ايضاً الى ان عدداً من القادة الأكاديميين ورثوا جامعات مميزة الا انهم لم يتمكنوا من المحافظة على التميز، وقد يكون السبب في انهم كانوا قيادات ضعيفة وغريبة ومنفصلة عن واقع الجامعة، لا بل هم أنفسهم فاقدون للتميز، لم يستطيعوا السيطرة على زمام الأمور، وأصبحوا مشغولين بالإدارة بالتسكين.
الجامعات الألمانية التي تميزت في بدايات القرن الماضي وكانت الأفضل عالمياً، الا انها تراجعت بسبب البيروقراطية وضوابط رواتب الأساتذة، الأمر الذي أضعف قدرتها التنافسية فيما بينها ومع نظيراتها العالمية، لتتراجع لصالح الجامعات الأميركية (الامر شبيه بجامعاتنا التي انعدم التنافس فيما بينها لاستقطاب أعضاء الهيئة التدريسية المتميزين كنتيجة لتوحيد الرواتب).
إلا أن ألمانيا انتبهت لهذا الامر ووضعت خطة بدأ تطبيقها في السنوات الأخيرة، وهي التي تملك بنية بحثية قوية تسيطر عليها الدولة.