كرسي الحلاق

كرسي الحلاق

السفير نيوز – د.حسين العموش

كان عمري اربع سنوات حين اقتادوني – امي وابي رحمهما الله- الى حلاق على مقربة من شارع السعادة .

قبل نصف قرن بالتمام والكمال كانت دهشتي لا توصف وانا ادخل مدينة الزرقاء التي تخيلتها على غير ذلك .

ادهشني انتظام الصف لمحلات شارع السعادة ، وشارع شاكر ، وشارع شامل وشارع الحمرا ، ادهشني الرصيف المبلط ، والشوارع المسفلتة.

ادهشتني ارتفاع البنايات الحجرية والاسمنيه ، كنت مأخوذا بها مشدوها مفتوح العينين على سيارات المرسيدس من فئة ١٩٠ و ١٨٠ ، بالوانها الجميله ؛ الاحمر ، الازرق ، الابيض ، الاسود .

فتنتني المدينه ، وانا ابن قرية الهاشميه الشرقية ، بشوارعها الترابية ، وبدكانها الصغير لعمي ابو مفلح رحمه الله ، حين فتحت عيناي على الدنيا كان الفضاء الخارجي بالنسبة لي مزرعة الدجاج في الجنوب ، بيت المراكشي في الشمال ، دكانة الاقصى لصاحبها العم ابو مفلح السميرات في الغرب ، والى الشرق كانت مدرسة ابن الانباري التي علمتني الحرف .

نعود الى الحلاقة ، كل شوارع الزرقاء سمعت بكائي وانا ارفض الجلوس على كرسي الحلاق ، وامي رحمها الى تحاول تثبيتي على الكرسي وانا اتفلت للنزول ، كنت انظر لمقص الحلاق كوحش او غول يحاول الانقضاض علي ، ظلت دمعتي وبكائي تسحّ على خدي حتى انتهت الحلاقة.

في المرة الثانية كنت اكثر هدوءا ، وفي الثالثه كنت اجلس بارتياح ، بعد الخامسة تعودت الجلوس على كرسي الحلاق وتعودت صوت ضربات المقص الرتيبه ، فادمنتها وصرت اطلب ابي ان اذهب الى الحلاق حتى وان كان شعري قصيرا .

عندما كبرت ، صارت الحلاقة بالنسبة لي طقسا جميلا ، اذهب بمفردي الى حلاقي الزرقاء وانا بكامل نشوتي ، هل صار الكرسي ادمانا ؟ لا اعلم لكنني كنت شغوفا بكرسي الحلاق.

اليوم بعد نصف قرن تغيرت قواعد اللعبه ، واصبح عدم الذهاب الى الحلاق لابني عبدالله هو ما يبكيه وليس العكس .

كيف انقلبت الايه ، وكيف جذبوا ابناءنا ، كيف جعلوا منهم متعلقين بالكرسي بمحبة وشغف وفضول .

اليوم اصبحت كراسي الحلاقين كثيرة ، والنازلون والطالعون عليها كثيرون ، لكن الجميع يكون منتشيا كشخص مسحور وهو يصعد الى الكرسي ، ويكون مبتئسا حين ينزل ، في المقابل هناك من ينتظر نزولك ليصعد مكانك بشغف وحب شديدين.

ما هي اخبار التعديل الوزاري ؟