السفير نيوز
عُرف بالجدّية، واتصف بالدقة في العمل أينما يمّم وجهه في طلب العلم أو تسلّم موقعاً.
مهنة الطب شغفها حباً، وكأن هذه المهنة التي احترفها هي التي استدعته ليكون بمبضعه واحداً من خيرة النطاسيين الذين يجْرون أهم وأخطر العمليات حيث تخصص وتميّز في جراحة «الدماغ والأعصاب».
ولد في مدينة الكرك، وموطن الأُسرة معان، حينها كان والده يعمل معلماً في وزارة المعارف (التربية والتعليم) وعضواً فاعلاً في حزب البعث العربي الاشتراكي.
منذ مروره بمرحلة الشباب المبكرة، ووصولاً الى المرحلة الثانوية والدراسة الجامعية الأولى، فإنه لم يرق له التفكير بما ظل يموج في رأس ابيه الذي أتعبه العمل السياسي، ليكون همه الأول إكمال تعليمه.
تنقّل طالباً بين عدد من المدارس بسبب تنقلات والده الذي تولى مواقع عديدة، مدرساً ومفتشاً وإدارياً، قبل أن يكون- الطالب- على مفترق طرق لاختيار الفرع الذي يواصل فيه تخصصه الدراسي من خلال امتحان في نهاية المرحلة الاعدادية، فاختار المواد العلمية التي نبغ فيها وكانت كلية الحسين المدرسة الوحيدة في عمان التي تدرّس هذه المواد، فيما مدرسة رغدان تستقبل الطلاب الذين اختاروا المواد الأدبية.
بعد الحصول على درجات الدراسات العليا درّس وتولى مواقع اكاديمية في الجامعة الاردنية وحمل حقائب وزارية، وخلال مراحل عمله، لم يغيّر مواقفه في كثير من القضايا والتصدي لملفات مهمة، وظل العمل الطبي سلاحه الذي لم يرمه حتى هذا الوقت.
من غرائب الأمور التي حدثت معه، أنه أُبلغ وهو في مهمة رسمية في الخارج باستقالة الحكومة، وخلال ساعات تم ابلاغه بدخول حكومة جديدة!.
يقول في كتابه الممتع في المحتوى، والمقنع في ما يراه، والذي يحمل في دفتيه آراء وحلولاً لمشاكل وعقبات تواجه الاردن، حيث يحمل الكتاب وسم (الراقم على الماء): «كنت وما زلت أعتقد أننا لا نملك رفاهية الوقت والمال، وعليه فإن جهودنا يجب أن تكون تراكمية وأن علينا أن نسخّر جميع مقدراتنا الوطنية وعلى رأسها قوانا البشرية لإجتراح الحلول لمشاكلنا وقضايانا وأن نؤمن بأن لدينا من الكفاءات ما هو قادر على ذلك».
ويقول، أيضاً، «وقد كان وما يزال يزعجني عدم التراكمية في الانجازات ولا في متابعة الخطط بحيث أننا في كل مرة كنا نبدأ من نقطة الصفر، وهذا أمر فيه مضيعة للجهد والوقت والمال».
الوزير سابقاً، الاستاذ الدكتور وليد المعاني، يلقي بعضاً من «مؤونته» العملية والعلمية، بكل موضوعية، مناشداً أبناء الوطن، القيام بواجباتهم خير قيام، وإلا فإن «من لا يقوم بمهمته لا لزوم له »، حسب قوله.
النشأة والدراسة؟
كان لتعيين والدي مدرساً، أن تنتقل معه الاسرة من معان الى الكرك فكان دخولي الصف الأول في مدرستها قبل أن أواصل دراستي في المراحل الثلاث في معان والطفيلة وإربد وعمان لظروف عمل رب الاسرة حيث شغل معلماً ومفتشاً وإدارياً وكان ضمن فريق ساهم بتأليف عدد من الكتب المدرسية وعملوا على تطوير المناهج.
والدي تخرج من مدرسة السلط الثانوية عام ١٩٣٩، الا أن الحرب العالمية الثانية حرمته من بعثة للجامعة الأميركية ببيروت، فعيّن في وزارة المعارف”وزارة التربية والتعليم» وبراتب ٥ جنيهات فلسطينية ليتدرج في وظائف الوزارة وفي خدمة امتدت ٢٠ عاماً، فأُحيل بعدها الى التقاعد، وقد توجّه للعمل الحر عندما فتح شركة مختبرات، كانت السند لأن أكمل دراستي في ظروف وضعت أهالي الطلبة في المملكة أمام تحديات، وهي أن من يملك المال يستطيع أن يدرّس أبناءه في الجامعة الاميركية ببيروت، والذي يكون أكثر ثراء فيدرّسهم في دول أوروبية وفي أميركا، أو يكون الابن مبتعثاً وهذا يحتاج الى دعم، إن لم يكن حصل على معدل عال، للدراسة في الجامعة الأميركية كون عدد البعثات الاردنية لها محدود جداً.
حصلت على معدل ٨٣,5 في التوجيهي وهو ثاني توجيهي يُجرى في المملكة، وكان الإمتحان الأول جرى عام ١٩٦٢،
في وقت كانت فيه مصر تشهد المد القومي وتستقبل الطلبة العرب، في جامعاتها (القاهرة وعين شمس والإسكندرية وأسيوط)، والأخيرة هي من تقدمت اليها لدراسة الطب، حيث كانت الكلفة المالية للدراسة مشجعة،فدرست بها مدة ثلاثة أشهر قبل أن انتقل الى جامعة الإسكندرية، بعد أن قررت الحكومة المصرية زيادة بعثات الاردن لتصل ٢٠٠ بعثة، وفسح المجال لدراسة التخصص المطلوب.
تخرجت من جامعة الإسكندرية وتابعت دراستي في بريطانيا للحصول على دبلوم جراحة الدماغ والأعصاب حيث عملت في عدد من المستشفيات هناك ثم نلت شهادة زمالة كلية الجراحين الملكية من أدنبرة في المملكة المتحدة.
ماذا عن العمل العام؟
بدأت العمل أستاذاً في كلية الطب بالجامعة الاردنية ولتميز واهمية التخصص الذي احمله كان العمل الى جانب عملي الأكاديمي، مفتوحاً أمامي بإجراء عمليات في مستشفى الجامعة ومدينة الحسين الطبية ومستشفيات وزارة الصحة، وجميعها عززت خبراتي العملية بما في ذلك المؤتمرات الخارجية التي شاركت فيها، حتى تعلّم على يديّ ٥٢ طبيباً اردنياً كان لهم دور كبير في خدمة الطب الاردني وأكسب الأُردن سمعة طيبة على المستوى الخارجي.
إدارياً، تم تعييني رئيساً للجامعة الاردنية عام ١٩٩٨ ولم يقتصر العمل على الجانب الأكاديمي الذي شهد وضْعْ جلالته حجر الأساس لكلية الملك عبدالله الثاني لتكنولوجيا المعلومات، ذلك أن دور الجامعات أوسع من الدراسة داخل الحرم الجامعي، فالمؤسسات التعليمية وجدت للتواصل مع مؤسسات الدولة والمجتمع الاردني وكل من لها علاقات مع الدولة، من الدول الشقيقة والصديقة.
لقد أدخلنا للجامعة ١٠٠٠ جهاز حاسوب لخدمة العملية التعليمية واحتياجاتها في أغراض أُخرى واطلقنا خدمة المجتمع المحلي كمتطلب جامعي وتم تنظيم الأُسر الجامعية للطلبة بهدف عدم انغلاقهم وراء الهوية الفرعية، ولضبط العملية الحزبية لهم بحيث تسير الانتخابات الطلابية ضمن إطارها الصحيح وبما يخدمهم جميعاً دون احتكارها من قبل فئة أو حزب أو تيار، والحفاظ على المسار التعليمي ليكون بعيداً عن العنف.
وعند الحديث عن النشاطات اللامنهجية، تحضرني، تنظيم الجامعة،البطولة العربية النسوية لكرة القدم، وهي الأولى من نوعها في الاردن، وبمشاركة مصر والجزائر والعراق وليبيا وفريق الجامعة الذي أعدته دائرة النشاط الرياضي بإشراف مديرة النشاط د. نهاد البطيخي، وحصل فريقنا على المركز الثاني بعد الفريق المصري، واقيمت حينها البطولة برعاية جلالة الملك عبدالله الثاني، وبحضور مستمر من أصحاب السمو الأمراء والأميرات.
(دخول الوزارات)
عام ٢٠٠٢ صدرت الارادة الملكية بتعييني وزيراً للتعليم العالي، ولكن الحكومة شهدت تعديلاً بعد ستة أشهر لأعيّن وزيراً للصحة، وحينها تأسست مؤسسة الغذاء والدواء بهدف الحفاظ على صلاحية المواد الغذائية، وعلى أثرها أوقفنا شحنات فاسدة وقدمنا مطاعيم للعراق الشقيق الذي تعرض للاحتلال الاميركي.
كانت هناك محاولات لتحويل مديرية التأمين الصحي في الوزارة الى مؤسسة مستقلة تستدرج عروض علاج المؤمّنين وتتقدم الوزارة لتقديم الخدمة في مدن وفي تخصصات معينة وقد تحال عليها مسؤولية الخدمة أو على غيرها وبالتالي تتفرغ وزارة الصحة للرعاية الصحية الأولية وتوفير الرعاية العلاجية حسب امكاناتها ولكن المحاولات وئدت قبل ولادة المؤسسة.
أعوام ٢٠٠٩ و٢٠١٠ و٢٠١١ و٢٠١٩-٢٠٢٠، وهي المراحل التي حملت فيها حقيبتي وزارة التربية والتعليم، والتعليم العالي والبحث العلمي معاً، أو لحقيبة واحدة، مر الأُردن خلالها بظروف الربيع العربي حيث المظاهرات والاحتجاجات ومنها قضية المطالبة بتشكيل نقابة للمعلمين وما تلاها من مطالبات بحقوق العاملين في الوزارة وكذلك لملفات تتعلق في وزارة التعليم العالي.
(مفارقة وزارية)!
ومن المفارقة أنه خلال مشاركتي في مؤتمر وزراء التعليم العالي العرب الثاني عشر والذي عقد في بيروت في نهاية عام ٢٠١٠ أخبروني بأن الحكومة قدمت استقالتها، فأخبرت القائمين على المؤتمر بأن مشاركتي الرسمية قد انتهت، «ونزعت ربطة العنق» لأكون مستمعاً، ولكنهم طلبوا مني البقاء والحديث الى أن تنتهي جلسات المؤتمر، وبعد ساعات تم إبلاغي بدخولي الحكومة الجديدة وهي الحكومة الثانية التي شكّلها سمير الرفاعي، لأواصل مشاركتي الرسمية، ثانية، في المؤتمر.
ما رأيك بالحياة الحزبية لطلبة الجامعات، ولماذا لم تكن حزبياً؟
لا بأس بانتساب الشباب، ومنهم الشباب الجامعي للأحزاب بهدف كسب التجربة الحزبية ويكون لهم نضج سياسي مستقبلاً وشريطة أن يكونوا في فهم لتجمعاتهم ومنطلقين من الحفاظ على الهوية الوطنية ولا يختلفون في افكارهم على حساب مصلحة الوطن وقضاياه أو تكون حزبيتهم لإرادات خارجية.
أما عن عدم التحاقي بالعمل الحزبي، رغم حزبية والدي، فيعود لما واجهه من معاناة في بعض مراحل حياته.
تجربتك في المواقع التي تسلمتها؟
في مهنة الطب، يعد مستوى الخريجين من الجامعات الاردنية مرتفعاً حسب التغذية الراجعة من المؤسسات العالمية، وتدريبهم يعاني من مشكلات تتعلق بالمهارات السريرية نظراً لكثرة الطلبة وقلة اهتمام الأساتذة.
وفي رأيي، يجب عدم إنشاء كليات جديدة للطب وعدم زيادة أعداد المقبولين وإعادة النظر في طرائق التدريس وتهيئة البنى التحتية للمستشفيات وتجهيزاتها، وتوحيد برامج الاقامة في الأُردن من خلال إنشاء المجلس الوطني لهذه البرامج.
في التربية والتعليم، والتعليم العالي يظل التعليم التقني مطلباً وضرورة وطنية، حان وقتها، ففي السنوات الاولى للتعليم الاردني في المدرسة كانت هناك فروع يختارها الطالب أو يوجّه اليها، وبهذا تكون لدينا «فلترة» أو فرز طلابي في العملية التعليمية، قبل الوصول للدراسة الاكاديمية.
كانت لدينا فكرة بعمل هيئة للتعليم التقني، وفي البال كلية البولتيكنيك، وتساءلنا لماذا لا نقوم بعمل كليات مماثلة في الشمال والجنوب والشرق والغرب؟!!
في التعليم العالي من غير المقبول أن تكون نسبة الملتحقين على مستوى البكالوريوس ٨٢٪ والملتحقين بالتعليم المتوسط ٥٪ فقط.
وفي ما يخص المعلمين، فإن العودة الى (دُور المعلمين) هي السبيل الوحيد لتخريج مدرسين راغبين بالمهنة، فقد خرّجت هذه الدور، معلمين مؤهلين للتدريس، على عكس الجامعات التي ليس كل من يدخلها هدفه أن يكون معلماً.
في العمل الوزاري ليس كل ما تستطيع أو تفكّر به، أن تفعله، الموظفون لا يحبون التغيير ويحنّون الى الماضي ويخافون المستقبل.
كيف ترى الاعلام الاردني؟
يمكن تصنيف الإعلام الاردني الى ثلاثة أقسام:
الأول: تطور محطات في السنوات الأخيرة وهي تحتاج الى أموال لرفد بنيتها التحتية وكوادر مؤهلة ووجوه جديدة وإزالة الغث من السمين وإصدار برامج جاذبة.
الثاني: الصحف وهذه لا توجد لها هوية وأخبارها موحدة تستقي معظمها من وكالة الانباء الاردنية، ويحكمها الوقت وهذا ليس في صالحها في ظل وسائل التكنولوجيا الحديثة.
الثالث: وهو الاعلام الالكتروني (المواقع) وهو إعلام يجب ضبطه وتجويد محتواه بما يخدم الدولة ليتابعه المواطن الذي بدوره صار يملك وسائل يستخدمها عبر هاتفه ولكنه لم يحسن توظيفها بسبب عدم خضوعه للرقابة إلا في أمور محدودة.
في مهنتك الطبية أي عمليات تؤرق الطبيب؟
مع تطور العلم واكتساب الخبرات، باتت العمليات أكثر نجاحاً من غيرها في سنوات طويلة ماضية، ولكن لا شك أن أورام قاع الجمجمة تحتاج بعض العمليات فيها الى ٣٠ ساعة وهي بالطبع تُجرى من قبل فريق يعمل بالتناوب.
هوايات ما تزال تحرص عليها؟
أنا من هواة جمع الطوابع ومشاهدة الأفلام السينمائية وقراءة كتب التاريخ، ولو عاد الزمان بي لدرست التاريخ ولم أتخصص مهنة الطب رغم عشقي لها.
كما اتابع والعائلة الكرة الانجليزية، حيث اشجع فريق ليفربول، فيما البقية تشجع آرسنال.
-توجيهك لأسرتك؟
زوجتي ميسون محمد نزال العرموطي تخرجت ادارة اعمال وتحمل الماجستير، رئيسة لأندية الخطابة، تدير الجلسات والمهارات الناجحة، ومشغولة بالعمل التطوعي.
طارق طبيب مستقر في بريطانيا ومتخصص في الأنف والأذن و ألحنجرة.
نور طبيبة تخصصت في الأمراض الجلدية، وتمارا تخصصت في ادارة الأعمال وخالد خريج الجامعة الألمانية الاردنية ويعمل في شركة تطوير عقاري، ومعني بالفرص الاستثمارية وادارة المشاريع والتخطيط الاستراتيجي، وجميعهم درسوا حسب رغباتهم.
الدستور )