السفير نيوز
تكاد تتفق جميع الأراء الإعلامية والصحفية والحقوقية والمدنية لحاجتنا الماسة اليوم إلى توحيد الخطاب الإعلامي للدولة الأردنية تجاه مختلف القضايا المحلية والوطنية والعالمية، وتبرز في المقابل أهمية تأطير الرسالة الأعلامية للدولة ورفعتها ، وعدم المساس بمضمونها ومعاييرها.
فاعتماد نموذج خطاب اعلامي هادف مدروس ، يتضمن ثلاثة عناصر مهمة هي : النص، والتفاعل ، والسياق الاجتماعي ؛ وبذلك فهو يتعامل مع القضايا بمستويات مختلفة ، وفي إطار نموذج يتضمن أيديولوجيات منتج الخطاب وقيمه ، وهو ما يضمن الکشف عن آليات المؤسسات الاعلامية والصحف الإلکترونية -کمنتج للخطاب- في معالجة أزمات واحداث.
والخطاب الاعلامي ؛ مجموعة من الآليات تشکّل في مجملها منظومة فکرية دفاعية عن موقف الدولة وصون هويتها أمام الرأي العام ، فيتم تشکيل معارفه واتجاهاته نحو القضايا بما يتوافق مع مواقف الدولة ، وهو ما يوفر لها دعمًا وتأييدًا شعبيًا وعالميا ، ولا بد من توظيف آليات معالجة لإدارة أي أزمة والتأکيد وإضفاء المصداقية للدولة ، وحشد التأييد الشعبي لمواقف الدولة ، والتحذير والتنبيه ، ومضاعفة القوة، والتأطير والإظهار، وإضفاء الشرعية، والتجاهل والإقصاء، والإلهاء وتحويل الانتباه، والخلاص، إضافة إلى استراتيجية إسقاط المسئولية عن الدولة تجاه اي عوارض خارجة عن إرادتها.
ولا بد من قيادة القاطرة نحو تقديم إعلام وطني وقوي ومهني وموضوعي يتماهى مع رسالة الدولة وثوابتها و يستثمر اللغة ووسائل الاتصال المستخدمة في الرسائل الإعلامية ، كما هو الحال في الصحف والتلفزيون والإذاعة ووسائل التواصل الاجتماعي. ويتضمن تحليل الكلمات والعبارات وبنية هذه الرسائل لفهم المعتقدات والقيم والمواقف الأساسية التي يتم نقلها.
نحن بحاجة الى خطاب مسموع في الداخل والخارج ويوظف جميع الأمكانات التكنولوجية الحديثة بما فيها من مزايا وتقلبات فاقت الأعلام التقليدي ويكون موثر ويوفر المعلومة الكاملة للتوجهات الرسمية والشعبية ومدافع قوي عن موقف الدولة ضد اي مساس بجهودها وثوابتها والاساءة لدورها تجاه عديد القضايا وضمن السياق الوطني الكلي ، حتى لا نبقى ندور بنفس المربع والسير في منحى “خطير”، لا يخدم أحد والنقاش حول موضوع توحيد الخطاب من عدمه .
وتتجلى المشاهد الاعلامية العالمية بكل امكاناتها الضخمة في سباق لم يشهده التاريخ نحو السيطرة على عقول الناس وغزوها ثقافيا وبرز جليا في العدوان على غزة ، واثارة المجال وإتاحته للعصف الفكري حول الإشكالات والتحديات التي تواجه الوطن في خضم الأحداث والأولويات الوطنية والإقليمية.
أن توحيد الخطاب الوطني تجاه مختلف القضايا المحلية والعربية والعالمية يعد أولوية وطنية مهمة يجب عدم تجاوزها واعطاء قدر كاف من الأهمية ، وبشرط أن لا تتنافى مع ضمان حرية الرأي والتعبير وصون الحريات العامة ضمن ضوابط القانون، فلابد من التذكير أن أهم مقومات وجود توجه عام تجاه القضايا الوطنية يتطلب أولاً توفر الإرادة السياسية نحو تبوء قيادات اعلامية لديها استراتيجية واستشراق وتمتلك منهج واضح ومؤسسي للمؤسسات وتطويرها لأخذ مكانها التي تستحق بعيدا عن تحقيق منافع او سياسة الترضية والمكافأة لأشخاص ممكن أن يشكلوا عائق امام تطور مؤسساتنا الاعلامية لا سيما الرسمية وشبه الرسمية منها باعتبارها تحتل مكانا مهما في قيادة التوجه العام وبناء الثقة مع المواطنين ؛ وثانياً تقديم الدعم الكامل لمختلف المؤسسات الإعلامية واستنهاض همتها واعادة الألق والحيوية لأعلامنا كما ينبغي ان يكون في مقدمة الاعلام العالمي، والحفاظ على استقلال هذه المؤسسات لتستمر في تقديم رسالتها الإخبارية كم يجب.
خطاب اعلامي يتبنى فرضيات الوجود والحضور العالمي المنشود لدولتنا بما يستحق الحراك الكبير الذي تقوم به وبما يسهم برفع الوعي المجتمعي حيال القضايا الجديدة والمستجدة بشكل يومي، من حيث الالتفاف على الثوابت الوطنية وإبراز القضايا الوطنية بشكل مهني وحيادي وموضوعي، تلافياً للإشاعات والتضليل الإعلامي والسلبيات التي بتنا نلمسها في الفترة الأخيرة .
ولا بد من الاستثمار بالإعلام والأدوات الثقافية وتقديم خطاب يساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي ومشاركة الشباب والجيل الجديد من الإعلاميين والصحفيين ، وهنا ياتي ايضا دور الكليات الإعلامية ومؤسسات الإعلام المجتمعي الأهلية ، وهذا مؤشر قوة لأي دولة وحكومة ومجتمع.
وعلى ضوء المتغيرات والتطورات الحاصلة في العالم والإقليم بات ملحا ضرورة تطوير الخطاب بأدواته ومصطلحاته في المرحلة الحالية ، بالتزامن أيضاً مع دعم الإعلام بكل أشكاله ، والعناية بالمؤسسات الإعلامية لنضمن قدرتها على تناول وجهات النظر بمهنية ، وتوفر التحليل المطلوب بكل حيادية لمختلف المجالات مثل السياسية والتعليم، والشباب وقضايا التمويل الأجنبي وحرب غزة وغيرها ، والحاجة لمزيد من الاستثمار بتوحيد الأجندات والاستراتيجيات لنضمن التغطية المتوازنة بين مختلف القضايا ، حتى لا تطغى واحدة على أخرى، مع وجود وسائل الرصد وتقييم الأثر من قبل الجهات التي تقود هذا التنسيق ، ومعرفة متى وكيف ولماذا ومن يملك الدفة وتقييم المواقف الإعلامية بغرض إعطاء المساحة للرأي والرأي الآخر، إذ أن الاختلاف يسهم بخلق رسالة إعلامية وطنية ومتزنة وهادفة، إضافة إلى الاطلاع على تجارب الدول التي لديها تنوع في الإعلام، فضلاً عن ضرورة تفعيل الإعلام المجتمعي.
وختاماً ؛ أن الإعلام الأردني صاحب السيرة الوطنية بحاجة إلى أعادة النظر وتجويده للافضل والوصول به الى المكان الذي يستحق بطريقة مهنية ومنهجية ومدروسة وتقيمية، وهذا يتطلب إرادة مقتنعة بدور الاعلام والاخذ بالتنوع المدروس بالخطاب ، الذي يعكس أوجاع الوطن ويبرز موقعه ومكانته وحضوره ودور المشرف، بعيداً عن التشاؤم والسوداوية والتشكيك والاتهام والانهزام ، ويعالج الخلل ويسلط الضوء على الحلول، ويعطي صورة مشرقة وبعيداً عن هاجس الأمن الذي ما يضمنه استقلالية المؤسسات الصحفية التي باتت تعاني من ضغوطات مالية كبيرة.