موفق ملكاوي يكتب : الغرب وترسبات العنصرية

موفق ملكاوي يكتب : الغرب وترسبات العنصرية

السفير نيوز

تجتهد صحيفة نيويورك تايمز، وعلى مدار أسابيع طويلة، في إظهار الآثار النفسية التي يختبرها الأطفال الأوكرانيون خلال الحرب على بلدهم. التقارير تأتي، في حقيقتها، ضمن حملة إعلامية هائلة يشترك فيها الإعلام الغربي بأكمله، حاشدا العديد من الشواهد لإدانة الحرب الجارية هناك. لكن هذا الإعلام «الأخلاقي»، والذي يضطر في كثير من الأحيان إلى ممارسة التضليل الإعلامي المكشوف، ينسى، على ما يبدو، أن هناك بلدانا ما تزال الحرب مشتعلة فيها منذ قرن كامل، وأن أطفالها خلال المائة عام الأخيرة، لم يستمتعوا بطفولتهم، بل على العكس تماما، فقد اختبروا التشرد واليتم والقتل، وجميع صنوف الممارسات الإرهابية التي أخرجتهم من طفولتهم.
في القضايا الأخلاقية، يبدو أنه من السهل أن يمنحنا الغرب المتحضر «نعمة» التنظير، محتلا جميع المنابر العالمية لكي ينشر «فضائله» وسط عالم لا يحسن الوصول إلى الاستنتاجات نفسها التي يستطيع الوصول هو إليها، وفي النهاية، نكتشف أن مواعظه وسياساته الإعلامية تعتمد الانتقائية المرتبطة بمصالحه أو تفضيلاته، لتقود إلى التركيز على قضايا بعينها، من غير أن تسمح لقضايا أخرى عادلة بالظهور على مسرح الأحداث.
التقارير السابقة «تزدهر» في الوقت الذي تجتهد فيه آلة الحرب المدمرة لنظام الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، في تنفيذ حملة واسعة ممتدة للتطهير العرقي، لكن خبر العدوان المتجدد على قطاع غزة يغيب عن صحف ومؤسسات إعلامية عالمية عديدة، أو أنها لا تمنحه أي أولوية في سياساتها التحريرية المنحازة سلفا. هذا أمر، على ما يبدو، ينبغي أن نتفهمه ونحن نتعامل مع الغرب «الأخلاقي»، فالدم الأوكراني أكثر قدسية من الدم العربي، وينبغي لنا أن نؤمن بذلك، وأن نصادق على أقوال الإعلام المنحاز.
المسألة لا ترتبط بالمصالح فقط، بل لها ارتباطات قوية بالنظرة الدونية من العالم الأول باتجاه شعوب المنطقة، وشعوب العالم الثالث بعامة، فالنظرة التي تأسست عليها العلاقة مع شعوبنا، والتي جاء بها المستعمرون الأوائل وتجار العبيد وناهبو الثروات، ما تزال تحكم العلاقة بين العالمين، وهي مفاهيم لمسناها في أوائل الحرب على أوكرانيا، حين تمت المقارنة الفجة بين اللاجئين الأوكرانيين، وبين لاجئي العالم الثالث، وانزلاق مؤسسات إعلامية وساسة غربيين بهذه المقارنة الوقحة!
ضمن هذه النظرة غير الإنسانية، فالأمر يقود إلى أن الأذى النفسي للأطفال الأوكرانيين الذين يختبرون الحرب في وسط عائلاتهم وأقاربهم، أكثر وقعا وأثرا من استشهاد الطفلة الغزاوية آلاء عبد الله قدوم ذات الخمس سنوات، والتي قتلت بصواريخ صهيوينة أثناء لهوها أمام منزلها في حي الشجاعية فور بدء العدوان. الحكم على القيمة الإنسانية ضمن المنظور الغربي يميز بين الأجناس والإثنيات والمناطق، آخذا النتيجة إلى أكثر عنصرية، حين يقرر، كذلك، أي الخبرين هو أحق بالظهور إلى الفضاء العام، وتداوله في العالم!
قد تكون الحرب جلبت واقعا جديدا وصعبا للأوكرانيين، لكن ما يختبره هؤلاء في الاشهر القليلة الماضية، هو بمثابة حياة يومية لنا في المنطقة العربية منذ أكثر من قرن، ومن الصعب أن تجد شخصا واحدا في المنطقة لم يؤثر عليه احتلال فلسطين والمجازر التي ارتكبت فيها خلال هذه السنوات الطويلة. هذا الاحتلال أثر على مسار حياتنا، وعلى خياراتنا، كما أثر بالتأكيد على نوعية الحياة التي عشناها.
إن كان الأطفال الأوكرانيون يحرمون من المخيمات الصيفية، فنحن ننتظر الصيف وأيدينا فوق قلوبنا من المجزرة الدورية التي يشنها قادة المستعمرة العنصرية ضد إخواننا في كل صيف، لا لشيء، بل من أجل أن يتدربوا على القتل، لكي يحظوا بثقة الناخبين المجرمين.
في المحصلة، يبدو الغرب منسجما مع قناعاته وأخلاقه وهو ينحاز إلى اصطفافاته وتفضيلاته المبنية على العنصرية تجاه كل من لا يشبهه من البشر. لا يمكن لنا أن نفكر بطريقة أخرى تجاه مستعمر عاث قتلا حول العالم، وأعان القتلة في مشاريعهم الإجرامية.