أ.د ابراهيم الكردي يكتب: مصفوفة صناعة الإبداع والريادة في مدينة العقبة

أ.د ابراهيم الكردي يكتب: مصفوفة صناعة الإبداع والريادة في مدينة العقبة

السفير نيوز – أ.د ابراهيم الكردي / كلية السياحة والفندقة في الجامعة الأردنية فرع العقبة

تعد مدينة العقبة واحدة من أهم المدن الأردنية التي نمت وتطورت بشكل متسارع وملحوظ منذ بداية القرن الحالي، فهي ميناء الأردن الوحيد ورئته على العالم الخارجي عبر البحر الأحمر، وتتمتع بمقومات جيوستراتيجية بالغة الأهمية كحلقة وصل واتصال بين أقاليم العالم، ونقطة اتصال حيوية بين اليابس والماء، فقد اكتسبت مدينة العقبة أهميتها عبر العصور ولغاية الوقت الحاضر، فهي تعد بحق عاصمة المشرق العربي الجديد، الذي بدأ يتبلور خلال الآونة الأخيرة لربط أقاليم المشرق العربي بما يتضمنه من العراق وسوريا ولبنان مع مصر وشمال افريقيا، ضمن منظومة حيوية متكاملة إلى جانب الموقع الاستراتيجي للعقبة على طول امتداد اقليم نيوم العملاق السياحي الاقتصادي في شمال غرب السعودية.
عندمت نتحدث عن مصفوفة تطبيق الريادية في مدينة العقبة، فنحن نتحدث عن مدينة تمتلك كافة مقومات النجاح في صناعة منظمومة متكاملة في مدن المستقبل، وخاصة أن المدينة حديثة العهد، وتمتلك العناصر الحيوية في نجاح تطبيق مفاهيم الريادية والابداع والابتكار في تخطيط مدن المستقبل، وخاصة بعد استحداث المفوضية الخاصة بالريادية ضمن الهيكل التنظيمي للمنطقة الاقتصادية الخاصة، مما يؤشر على النهج الصحيح في إدارة منظومة المنطقة الخاصة بالانطلاق بقوة نحو تخطيط أمثل يواكب مدن المستقبل، ويسهم ويشجع في استقطاب حيوي للإستثمارات وتشجيع حركة السياحة وتميكين كافة مقومات المدينة اللوجستية ضمن المحور المركزي لمدينة العقبة كعاصمة للمشرق العربي الجديد، ومدينة لوجستية هامة على طول ساحل البحر الأحمر ونقطة ربط هامة بين أقاليم متنوعة .
نشير هنا إلى أن تطبيق مفاهيم الريادة والابداع والابتكار في إدارة مدن المستقبل ترتكز على سلوكيات ومناهج قابلة للتطبيق على أرض الواقع وتبتعد عن الشعارات والخطط غير القابلة للتنفيذ، من هنا نورد بعض من المناهج المستخدمة في تخطيط المدن الريادية ضمن مفهوم ونهج شمولي يمكن أن تستند عليه مدينة العقبة من خلال التركيز على أدوات يمكن من خلالها تحقيق معايير النمو المستدام وفق النهج الشمولي في عملية ادارة وتخطيط المنطقة الاقتصادية الخاصة بالتركيز على تطبيقات Arc GIS Urban في تخطيط مدن الريادية المستقبلية، وهي عبارة عن معايير وأدوات دولية تصدر من شركة ESRI تسهم في ايجاد تخطيط أمثل للمدن الريادية، وتستند على تصاميم ثلاثية الأبعاد تستخدم في تخطيط سيناريوهات متعددة وبشكل شمولي في صناعة الريادية في مدينة العقبة، والتي ترتكز على أنظمة رقمية قائمة على النمذجة والمحاكاة (BIM) بشكل شمولي ضمن بيئات ترتكز على البيئات العمرانية المستدامة.
إن تفعيل منظومة الريادة والابتكار والابداع في مدينة العقبة لايقتصر فقط على القطاع العام، وإنما يمتد ويتشعب ضمن رؤية شمولية تشمل كل من القطاع الخاص والمجتمع المحلي ضمن مثلث يحتوي على ثلاثية النجاح لتعميق مفاهيم الريادية في مدينة العقبة، حيث أن للقطاع الخاص دور جوهري في مجال تطبيق معايير منظومة الريادة ضمن معايير المسؤولية المجتمعية والخاصة بمعايير الايزو (ISO-26001) والتي تعتمد على بنود قياسية في المجال الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، ومدى التزام مؤسسات القطاع الخاص بهذه المعايير التي تسهم في تمكين مدينة العقبة وتحويلها إلى مدينة ريادية.
ترتكز الريادية في إطار المنهج الشمولي على قضايا متعددة: تشمل أنظمة الطاقة الذكية المتجددة، إضافة إلى قضايا جودة الهواء والتغير المناخي، وطبيعية المواصلات المستقبلية، والجودة البصرية وجودة الحياة ، والايفاء بكافة متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة ضمن مفاهيم السياحة الميسرة في تخطيط المدن الريادية، مما يؤشر على استدامة النهج المستدام والقابل للنمو والتطور وخاصة في ظل تعدد وظائف مدينة العقبة ضمن منظمومتها اللوجستية والسياحية والتجارية ومدينة ميناء….الخ.
يعد الانطلاق بمدينة العقبة نحو مدن المستقبل ضرورة حتمية وليست ترفاً؛ بهدف العمل على زيادة النمو المستدام في كافة أطراف المنظومة الاقتصادية والاجتماعية واللوجستية للمدينة، مما يجعل الحياة أسهل وأكثر رفاهية، بالاستفادة من التكنولوجيا في زيادة الكفاءة وتحسين جودة الخدمات والحياة لسكان مدينة العقبة والسياح القادمين إليها، بدءًا من توزيع الطاقة وأنظمة النقل وأضواء الشوارع وصولًا إلى جمع النفايات، مع تعظيم استخدام الموارد المتاحة بكفاءة عالية اعتماداً على تقنيات المدن الريادية الذكية ؛ والتي تسعى إلى توفير بيئة رقمية ريادية صديقة للبيئة ومحفزة على التعلم والإبداع، بما يعزز قدرة مدينة العقبة على المنافسة وجذب الاستثمارات.
يعتمد مفهوم الريادة والابداع في تحويل مدينة العقبة إلى مدن المستقبل على ستة عناصر أساسية وفق ما حدده الاتحاد الدولي للريادة ، هي: الاقتصاد الريادي الذكي، المجتمع المحلي الريادي، المشاركة الذكية في القرارات بين القطاع العام والخاص، أنظمة النقل الذكي، البيئة الذكية، الحياة الذكية التي تهتم بالأوضاع الصحية والصحة والسلامة العامة؛ حيث تُركز على تقديم الحلول الإبداعية لكل المشكلات التي من الممكن أن تواجه الفرد، وتستهدف ربط الأجهزة الذكية ببعضها البعض؛ من خلال تقنيات الاتصالات والشبكات وأجهزة الاستشعار عن بُعد RS ، وقواعد البيانات الجغرافية GISفضلًا عن ممارسة الأنشطة المعرفية والإبداعية واستخدام موارد الطاقة الجديدة والمتجددة للحفاظ على البيئة.
ومن أبرز تقنيات الريادة والابداع في تخطيط منظومة مدينة العقبة، الارتكاز على مفهوم إنترنت الأشياء والذي يُعتبر من أهم الأعمدة الرئيسية التي يجب الاعتماد عليها لتحويل العقبة إلى منظمومة المدن الريادية، فهو يعمل على تحسين الخدمات العامة ، إضافة إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي تعد من أهم التقنيات التي يُمكن استخدامها في تحويل العقبة إلى مدينة ريادية، وتعتمد على توفير قواعد رقمية من البيانات عن طريق أجهزة الاستشعار المنتشرة في جميع أرجاء المدينة، واستخدام الكاميرات الرقمية المرتبطة بتقنية تحليلات قائمة على الذكاء الاصطناعي؛ ومن خلال هذه الكاميرات تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بفحص الفيديو والبحث عن السلوكيات التي تُشير إلى أن هناك عملًا إرهابيًا قد يحدث. إضافة إلى الاعتماد على تكنولوجيا الروبوتات وأقمار النانوسات مثل: التي قام ولي العهد الحسين بن عبدالله حفظه الله باطلاقها مؤخراً والتي تسهم بدورًا كبيرًا في تحسين وتطوير الخدمات العامة داخل المدينة الذكية، فمثلًا يُمكن استخدام الطائرات بدون طيار للخدمات البريدية، واستخدام الروبوتات لتقديم بعض الخدمات داخل الفنادق مثلما يحدث الآن في دبي وسنغافورة وطوكيو، إضافة إلى توفير نظم مراقبة تتصف بالديمومة في بيئة المواقع السياحية.
تتضمن معايير الريادية في منظومة تحويل العقبة إلى مدينة ريادية الأخذ بعين الاعتبار مفهوم الأمن السيبراني، وتعزيز هذا المفهوم بكافة أنشطة المدينة والاعتماد على تقنيات شبكات الجيل الخامس (5G) التي ستغير من مفهوم الاتصالات، بالتركيز على عوامل التمكين البنائية القائمة على البرمجيات المرنة مثل: (SDN)، والشبكات المعرفة (SDA) بهدف مواجهة التهديدات والمخاطر السيبرانية، ما يتطلب منها مواجهة هذا التحدي من خلال التوازن بين إدارة وحماية قاعدة المستخدمين وتلبية احتياجاتهم بغض النظر عن مكان وجودهم ونوع الوصول الذي يحتاجون إليه عبر اتباع نهج ما يعرف بـالثقة الصفرية.

من أبرز المرتكزات التي يجب أخذها بعين الاعتبار في آليات تحويل مدينة العقبة إلى مدينة ريادية مفاهيم الطاقة وطرق التعامل معها، خاصة في ظل الارتفاع المتكرر لأسعار الطاقة على المستوى الدولي إضافة إلى مخاطر البيئية الناجمة عن مصادر الطاقة التقليدية، مما يؤثر على قرارات تشجيع الاستثمار وجذبها للعقبة وأسعار الخدمات السياحية، فعملية الانتقال بمدينة العقبة إلى مفاهيم المدن الريادية المستدامة التي تقوم على الطاقة المتجددة والنظيفة أمراً بغاية الأهمية، عبر استخدام التقنيات المختلفة في ترشيد استهلاك الطاقة، وبالإضافة إلى الاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة، والاعتماد على التكنولوجيا للمساعدة في مراقبة استخدام الطاقة في الوقت الفعلي عن كثب وتقليل استهلاك الطاقة.
لذا تعتبر تضمين مفاهيم الريادة والابتكار والابداع في تخطيط منظومة المنطقة الاقتصادية الخاصة بمثابة تحدٍ جديد للإنطلاق بمدينة العقبة نحو مدن المستقبل، إلا أنها البطاقة الرابحة خلال الفترة المقبلة؛ التي تسمح بالاستفادة من التطورات التقنية المُصاحبة للثورة الصناعية الرابعة. وتشير التوقعات إلى أنه في عام 2023 سينمو حجم سوق تقنيات المدن الريادية العالمي ليصل إلى 1.7 ترليون دولار.، مما يتوجب علينا في مدينة العقبة الإهتمام بشكل مباشر في تمكين رأس المال البشري والاهتمام بالموارد البشري التي سوف تقود مستقبل مدينة العقبة في ظل توجهات مدن المستقبل والاهتمام بإنشاء حواضن الريادة والابتكار التي تسهم في دعم وتمكين الشباب في المشاريع الريادية التي تقود مستقبل مدينة العقبة، وتعزيز مفاهيم الريادة والابداع في كافة مؤسسات المجتمع المحلي كمنهج شمولي يعتمد على مسارات واضحة المعالم في هيكلة هذه المؤسسات ضمن برامج تنفيذية قابلة للتطبيق على أرض الواقع.
بناءاُ على ما سبق يجب أن تكون مدينة العقبة والتي تعد رؤية ملكية شمولية قصة نجاح ومعيار متقدم لتطبيق مفاهيم المدن الريادية، وتصبح قصة نجاح يحتذى بها من بقية المدن الأردنية، وكذلك تصبح معياراً للتطور لمدن الإقليم ضمن معايير المدن الريادية المستدامة والانفتاح على المستقبل الأمر الذي يحتاج منا الكثير من العمل وفق نهج وخارطة طريق واضحة المعالم لتحقيق النجاح الذي يتوفر بمدينة العقبة لاحتوائها على كافة المقومات الاجتماعية والاقتصادية والجيوستراتيجية لتحويلها إلى مدينة ريادية تستطيع الوصول إلى أعلى المعايير الدولية في التنافسية وفق مفهوم المدن الريادية .