السفير نيوز
تواجه محافظة الطفيلة في جنوب الأردن تحديات تنموية متعددة تشمل الجوانب الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية والخدمات الصحية، على الرغم من امتلاكها إمكانات طبيعية وبشرية كبيرة تجعلها مؤهلة لتحقيق نهضة تنموية ملحوظة. تقع المحافظة في موقع جغرافي استراتيجي يربط الجنوب بالعاصمة والمناطق الشمالية، وتتميز بتضاريس متنوعة تشمل الجبال والوديان والسهول، ما يوفر فرصًا زراعية وسياحية متعددة. وتحتوي الطفيلة على ثروات معدنية مهمة مثل النحاس والمنغنيز والفوسفات، إلى جانب محاجر حجرية يمكن استثمارها في الصناعة والبناء.
تمتلك المحافظة مقومات سياحية وطبيعية بارزة، أبرزها محمية ضانا التي تعتبر من أهم المحميات البيئية في المملكة لما تحتويه من تنوع بيولوجي ونباتي نادر، وحمامات عفرا المعدنية ذات الفوائد العلاجية، إضافة إلى الينابيع الطبيعية والمواقع الأثرية التي تشهد على الحضارات القديمة في المنطقة. وعلى الصعيد البشري، توفر المحافظة قوة شبابية متعلمة، مع وجود جامعة الطفيلة التقنية ومؤسسات تعليمية ومهنية، ما يتيح قاعدة جيدة لتطوير الكفاءات المحلية ودعم الابتكار والمشروعات الصغيرة. ومع ذلك، يعكس الواقع الفعلي فجوة واضحة بين هذه الإمكانات ومستوى التنمية الفعلي، سواء في استغلال الموارد الطبيعية أو الاستثمار في رأس المال البشري، ما يخلق تحديات كبيرة أمام تحقيق تنمية مستدامة وشاملة.
بالانتقال إلى الجوانب الإدارية، تعاني الطفيلة من مركزية مفرطة في اتخاذ القرار وضعف استقلالية المجالس المحلية في تنفيذ المشاريع التنموية، إضافة إلى نقص الكوادر المؤهلة وضعف المتابعة الميدانية، ما يؤثر على جودة الخدمات العامة. ومن نقاط القوة وجود جامعة الطفيلة التقنية كمؤسسة أكاديمية قادرة على دعم التخطيط المحلي، وتوافر قيادات مجتمعية فاعلة. أما نقاط الضعف فتتمثل في غياب الرؤية التكاملية بين المؤسسات المحلية، وضعف التنسيق بين مجلس المحافظة والبلديات، ومحدودية الصلاحيات المالية والإدارية للمجالس المنتخبة. ولتحسين الوضع، يُنصح بتطبيق مبدأ اللامركزية الإدارية الكاملة وإنشاء وحدة تنمية محلية تعمل على تنسيق المشاريع وتنظيم جهود التنمية داخل المحافظة.
اقتصاديًا، تُعد البطالة من أبرز التحديات، إذ بلغت نحو 32% عام 2024، وهي من أعلى المعدلات في المملكة، خصوصًا بين الشباب والنساء. ويشهد القطاع الاستثماري ركودًا واضحًا نتيجة ضعف البنية التحتية وصعوبة التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. ورغم ذلك، تمتلك المحافظة موارد طبيعية غنية ومواقع سياحية ذات قيمة بيئية واقتصادية يمكن استثمارها لخلق فرص عمل جديدة. وتشمل نقاط الضعف غياب المناطق الصناعية المنظمة، وضعف البنية اللوجستية وخدمات النقل، وارتفاع نسب الفقر التي تصل إلى نحو 28% في بعض الألوية. ومن التحسينات الممكنة إنشاء منطقة صناعية–تعدينية متكاملة شمال الطفيلة، وتعزيز برامج ريادة الأعمال ودعم المشروعات الصغيرة، وتشجيع الاستثمار السياحي والبيئي بالتعاون مع القطاع الخاص.
فيما يتعلق بالبنية التحتية، تشهد شبكة الطرق تدهورًا واضحًا، خصوصًا طريق الطفيلة–بصيرا–القادسية، الذي يعاني من الانزلاقات والحفر المتكررة. كما تعاني بعض القرى من ضعف في خدمات المياه والكهرباء والاتصالات، بينما تحتاج الطرق المؤدية للمواقع السياحية إلى إعادة تأهيل شاملة. وتتمثل نقاط القوة في الموقع الجغرافي الاستراتيجي وتوفر البنية الكهربائية الرئيسية، في حين تشمل نقاط الضعف تهالك الطرق، غياب منظومة نقل عام فعالة، وقديمة شبكات المياه والصرف الصحي. ويُقترح لتنمية البنية التحتية تنفيذ خطة شاملة لتأهيل الطرق خلال ثلاث سنوات، وتحديث شبكات المياه والصرف الصحي، وإدخال التحول الرقمي في الخدمات البلدية والمرافق العامة، بما يسهّل الاستفادة من الموارد السياحية والصناعية.
على الصعيد الصحي، يعاني القطاع الصحي من نقص الكوادر الطبية المتخصصة والأجهزة الحديثة، إضافة إلى ضعف الخدمات الإسعافية في المناطق النائية. وتوفر المحافظة مستشفى حكومي رئيسي وعدد من المراكز الصحية، ويزداد الاهتمام المجتمعي بالشأن الصحي. إلا أن نقاط الضعف تشمل نقص الأطباء الاختصاصيين، وضعف خدمات الطوارئ في القرى، ومحدودية البنية التحتية الصحية المتقدمة. ولتحسين الوضع، يُقترح إنشاء مستشفى تخصصي إقليمي يخدم المحافظات الجنوبية، وتحفيز الأطباء للعمل في المحافظات البعيدة عن العاصمة، وتحسين نظام الإمداد الدوائي للمراكز الصحية، بما يضمن توفير خدمات طبية متكاملة للسكان المحليين.
على المستوى الاجتماعي، يتميز المجتمع الطفيلي بتماسكه الاجتماعي وصلابة نسيجه العشائري، ويعكس ما يمكن تسميته برأس مال اجتماعي قوي قائم على الثقة المتبادلة والتعاون بين الأفراد والجماعات المحلية. ورغم هذه المميزات، يعاني المجتمع من ضعف المشاركة الشبابية في صنع القرار، وهجرة الكفاءات إلى العاصمة، إضافة إلى محدودية دور المرأة في التنمية الاقتصادية رغم ارتفاع نسب التعليم الجامعي بين الإناث. ومن نقاط الضعف أيضًا غياب المراكز الشبابية المنتجة، وضعف المبادرات التنموية المجتمعية، وتزايد الهجرة الداخلية. ولتعزيز التنمية الاجتماعية، يُنصح بدعم إنشاء مراكز ابتكار مجتمعي داخل الجامعة والبلديات، وتمكين المرأة اقتصاديًا عبر برامج تمويلية وتدريبية مستدامة، بما يساهم في بناء مجتمع أكثر مشاركة وحيوية.
تهدف رؤية الطفيلة 2030 إلى تحويل المحافظة إلى نموذج تنموي متكامل، قائم على تطبيق اللامركزية الإدارية الفاعلة، واستثمار الموارد الطبيعية في إطار بيئي مستدام، وتطوير البنية التحتية والنقل العام، وتحسين جودة التعليم والصحة والخدمات، وبناء اقتصاد محلي قائم على المعرفة والطاقة المتجددة والسياحة البيئية. ويؤكد هذا التحليل أن محافظة الطفيلة تمتلك المقومات الطبيعية والبشرية اللازمة لتصبح مركزًا اقتصاديًا واجتماعيًا مزدهرًا، إلا أن ضعف الإدارة المحلية وقصور الاستثمارات والبنية التحتية ما يزال يشكل عقبات أمام التقدم. ويستدعي تحقيق التنمية المستدامة إرادة سياسية واضحة، وتمكينًا فعليًا للحكم المحلي، واستثمارًا ذكيًا في الإنسان والبنية التحتية بحلول عام 2030. وفي الجنوب الأردني، مهما كانت التحديات، فإن محافظة الطفيلة وأهلها يستحقون الأفضل، ويستحقون أن تكون مثالًا للنهضة والتنمية المستدامة التي تحقق آمالهم وطموحاتهم.
أ.د. بيتي السقرات/ الجامعة الأردنية

