السفير نيوز
لا يختلف اثنان على أن مهنة الطب من أنبل المهن وأشدها ارتباطًا بصحة الإنسان وكرامته، وأن الارتقاء بمستوى التعليم الطبي ضرورة وطنية لا غنى عنها. لكن في المقابل، لا يجوز أن يتحول شرط القبول الجامعي إلى عقبة مجحفة أمام طموحات أبنائنا وأسرنا، خصوصًا عندما يفرض بآلية جامدة لا تراعي الواقع ولا المصلحة العامة.
وزارة التعليم العالي حدّدت معدل (90%) كحد أدنى للقبول في كليات الطب في الجامعات الأردنية، وهذا أمر يمكن تفهّمه داخل جامعاتنا التي تسعى إلى التنافسية وتنظيم القبول. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في فرض هذا الشرط على الطلبة الأردنيين الراغبين بدراسة الطب في الجامعات العربية والأجنبية، وحتى في أعرق الجامعات العالمية ذات السمعة الأكاديمية المرموقة.
بهذا القرار، قطعت الوزارة الطريق على آلاف الطلبة الذين يسعون لتحقيق حلمهم في دراسة الطب على نفقتهم الخاصة، وحرمت الوطن من ميزة التنوع العلمي الذي يثريه خريجو الجامعات الخارجية بخبراتهم المختلفة. بل إن هذه السياسة تُضيّق على أسر كثيرة أنفقت جهدها ومالها لتأمين مستقبل أبنائها، لتُفاجأ بقرار يقيد هذا الطموح.
إن معدل الثانوية العامة ليس معيارًا وحيدًا لقياس القدرة على التميز في دراسة الطب. الواقع يثبت أن كثيرًا من الأطباء الأردنيين الذين نفتخر بكفاءتهم اليوم، لم تتجاوز معدلاتهم في الثانوية العامة (80%)، ومع ذلك أثبتوا تفوقًا ومهنية عالية. فالطب لا يقوم على علامة امتحان واحد بقدر ما يقوم على المثابرة والاجتهاد في سنوات الدراسة الجامعية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا نغلق الأبواب أمام الطلبة في حين أن الجامعات الأجنبية ذاتها لديها أنظمة قبول دقيقة، وامتحانات تحضيرية، ومعايير أكاديمية تضمن مستوى طلبتها؟ أليس الأجدر أن نترك للطلبة حرية الاختيار، ثم نخضعهم بعد التخرج إلى امتحانات كفاءة وطنية تضمن مستوى الخريجين، بدلًا من حرمانهم ابتداءً من حق التجربة؟
الأردن بحاجة ماسة إلى كوادر طبية متزايدة لمواكبة التحديات الصحية والطلب المتنامي على الخدمات العلاجية. ومن غير المنطقي أن نضيّق هذا الباب بقرار إداري جامد، يحرم الوطن من كفاءات مستقبلية كان يمكن أن تكون رافدًا للقطاع الطبي.
إن المطلوب اليوم من وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي هو إعادة النظر بهذا الشرط، والإبقاء على معدل الـ90% داخل الجامعات الأردنية فقط، مع إلغاء شرط المعدل كعائق أمام اعتماد شهادات الطب من الخارج. وليكن الفيصل امتحانات وطنية أو اختبارات كفاءة بعد التخرج، فهي السبيل الأمثل لضمان المستوى العلمي، دون ظلم أو حرمان.
في النهاية، التعليم لا يجب أن يكون أداة إقصاء، بل جسرًا للأمل والطموح، يفتح أمام أبنائنا الطريق نحو خدمة وطنهم ومجتمعهم، لا أن يغلقه في وجوههم بقرار يمكن مراجعته بسهولة وبإرادة جادة.
د. محمد كامل القرعان – كاتب صحفي