من وحي “عدوى الحب والموت” للروائي حسين العموش

من وحي “عدوى الحب والموت” للروائي حسين العموش

السفير نيوز

من وحي الوجع، وجع الفقد أنسج هذه السطور، حيث التزامن غير المدروس بين الشروع بقراءة الرواية، التي فرغت من الاستمتاع بها والتوجع منها، مع فقدان أخي الكبير بسبب طامة كورونا، والفارق الزمني الفاصل بين الفراغ من القراءة ونبأ الفاجعة سويعات لا أكثر، وفور الانتهاء من مراسم العزاء استولى عليَّ شعور بالكتابة عن رواية الدكتور حسين العموش” عدوى الحب والموت” موت الأعزاء، الذي يُشكل لنا ميتات قبل أن نلحق بهم، مع أني قارئ للروايات ولست بكاتب عنها، فهذه المرة الأولى التي امتشق قلمي لأخطّ كلمات عن الراوية التي حازت على إعجابي.
إن لم يكن فن الروية هو فن التفاصيل الصغيرة فماذا يكون؟ وإن لم تكن الرواية مسرحا ورقيا لنبض الشارع فماذا عساها تكون؟ وإن لم يكن الروائي مُشخصا لعلل المجتمع، وصائغا للحلول فمن يكون؟ ومن لملمة التفاصيل ترتسم أمامك ملامح مرحلة تاريخية، رُسمت تفاصيلها بدقة روائي وعناية شاهد مُعايش، إذ تصبح قيدا لا ينفك منه القارئ، تأسره أينما يمم عيناه بين سطور الرواية، تتقاذفه المشاعر أو قل خليط منها، وهو هنا – القارئ- وقع في الأسر حين تملّكه فضول إكمال الرواية.
تأسرك في الصفحة السابعة عبارة” علينا أن نجد طريقاً مختصرًا للموت، بعد أن ظللت كل الطرق للحياة” جملة اختصرت الشعور الجمعي الذي خيّم على نفس الشعب الأردني، وكأني بكل الناس نطقها بصورة أو أُخرى، ولكن الروائي خطّها وكأنها نحت في الضمير، مؤمنين بها، ولا يريدون تصديقها، وأظن هذا دور الروائي أن يكون مرآة تعكس شعور وتفكير الشعب.
للموت رائحة، وللفقد في زمن كورونا طعم جديد، وهذا ما عاينته بنفسي حين فقدت أخي الأكبر، وكما قلت آنفًا هنا تكمن قدرة الروائي على تمثل حالة الناس، وتصويرها بكلمات معدودات، وقد فعل.
اللغة تناوب عليها الفصيح البليغ، والمحكي الجميل، لتوصيل رسالته سواء من خلال الحوارات بين شخوص الرواية، أو من خلال توظيف الكلمات الدراجة، وكانت في مكانها المناسب والجميل، وهذا دور الروائي في زمن التيه، كما يصفه الدكتور حسين نفسه.
يلمس القارئ هاجس الحرية عند الروائي، من بواكير الرواية، فهي تشكل قاعدة إيمانية في وجدانه، فيصف ذلك بقوله” … هو يصنع معجزة لنحت كلمة حرية على صخرة الحياة، لتقرأها الأجيال القادمة” بحق هذا عمل فني سيقرأه القادم من الأجيال، ليقفوا على مرحلة تاريخية فرض فيروس لامرئي هيمنته على نظام الحياة برمته، ولعلي إن جاز لي القول فإن رواية “عدوى الحب والموت” هي تأرخة بقالب فني للانقلاب الاجتماعي، اذ أصبح من البديهي أن ما بعد كورونا ليس كقبلها، والرصد الروائي التاريخي هو ما جسدته رواية الدكتور العموش.
أخذنا العموش بسياحة رائعة بين طوفان الحب، حب الافراد كالثنائي المتجسد في شخصية سامي “الحب التملكي” والحب المغموس بالاتزان الذي جسّده الدكتور علي، والحب كصبغة صبغت الشعب الاردني وميّزته “رومانسية الاردنيين ضاعت بين لقمة العيش وتوقهم للحرية والعدل”، لتعود الحرية لتطل برأسها كهمٍّ من هموم الكاتب، الذي جسد لنا في سياحته سلاسل التردد، وكثيرا من الدمع، وقليلا من الفرح، والترقب هو سيد الموقف، والدعاء المشبوب بعواطف نبيلة هو النفث السائد، والوطنية الحقة التي لم تنجُ من وهج الحب ونيره، فأضلت بعض الطرق، وهنا تجلت الجدلية بين الحب والموت.
التفخيخ والكارثة التي نتجت عنه بدافع عشا الحب، فأدخل الموت للنفوس، واسكن الرعب في القلوب، وأشغل الأجهزة الطبية والأمنية، ليتفرد بالمحبوب، سامي كان لغز القصة التي لم يوصد الكاتب بابه، وابقاه مشرّعاً للقارئ، مثيرًا بذلك قضية خلافية حول بطل الرواية وما اقترفته يداه من جرم بحق شعب بأكمله، وقابله عمل بطولي عبقري تجاه الكيان، وتركنا الكاتب في جدلية التعاطف والغضب، والمرجحة بين الفرح والحزن.
وخز المفاجاة التي تداهمنا حينما نكون قد استغرقنا في القراءة، كانت كمن يستيقظ فجاءة فزِعاً، ولا يزيدنا ذلك إلا طمعاً في المواصلة لمعرفة حدود تلك المفاجاة، إرسال دولارات مفخخة باسلوب شيطاني للدكتور علي كانت إحدى مفاجآت الرواية، والزوجة الثانية اليهودية من أصل مغربي، والعمالة المزدوجة، وخيبة ظن الموساد باصطياد هدفه.
زرعتنا الرواية بين مطرقة العتاب، وسندان المغفرة والصفح، عتاب النفس للنفس على ما فرّطنا به في سالف الأيام من قصور في توادّنا وتواصلنا، وبين مغفرة وتسامح تجلّى في رغبة عارمة في التجاوز حين تعود الحياة لطبيعتنا، (ليكون لسان الحال الجمعي، لقد تعلمنا من كارثة كورونا)، وبين سطور الرواية “المسكوت عنه” يتجلّى لنا الفرق بين العيش والحياة، وعلى رأي الشاعر إليوت أين هي الحياة التي أضعناها بالعيش.
الناظر لراوية “عدوى الحب والموت” لا بد أن يلمس إلحاح الدكتور حسين على قيم الحب والعطاء والحرية والعدل والتقوى والإيمان، هذه القيم هي التي تفصل بين العيش والحياة، وهذا هو السؤال الفلسفي الكبير الذي طرحه الشاعر إليوت، وضمنه الدكتور حسين روايته من مبتدئها حتى خاتمتها.