رئيس وزراء الأردن الأسبق طاهر المصري في حوار خاص : بكل هدوء وبعيدًا عن الاتهام.. هناك شكوك حول جديّة الإصلاح السياسي وكل شيء في الأردن بحالة تراجع

رئيس وزراء الأردن الأسبق طاهر المصري في حوار خاص :  بكل هدوء وبعيدًا عن الاتهام.. هناك شكوك حول جديّة الإصلاح السياسي وكل  شيء في الأردن بحالة تراجع

أجرى الحوار  د. محمد أبو بكر

يركن رئيس وزراء الأردن الأسبق السيد طاهر المصري إلى الإعتكاف أحيانا، وربما هذا هو حال بعض السياسيين في بلادنا، الذين يشعرون في كثير من الأوقات بمثل هذه الرغبة ، وهو الذي يحظى ببالغ التقدير والإحترام من كافة أطياف الأردنيين الذين يرون في المصري واحدا من رجال الأردن القلائل الذين لم تغيّرهم ألاعيب السياسة ولا تطورات المشهد في الداخل الأردني.

لديه الكثير مما يريد قوله، غير أنه يرى بأن الظرف بات غير مناسب لذلك، غير أن “رأي اليوم” استطاعت اقتحام خلوته في منزله والخروج بهذا الحديث والحوار.

ـ هل تعتقد بأننا مقدمون على إصلاح سياسي حقيقي أم مجرّد سراب لا علاقة له بالإصلاح؟

ـ اعتمادا على ما تم ممارسته في السابق وما نراه من نشاط سياسي  غير منظّم وغير واضح، فهناك شكوك حقيقية حول الجديّة في وجود نوايا لتحقيق الإصلاح الحقيقي في الأردن .

لقد مرّت سنوات عديدة مارسنا خلالها حملة من الدعاية والإعلان بأننا نسير في طريق إصلاحي وتحديث الدولة، لكن لم يتحقق شيء من هذا القبيل، حتى الإنجازات التي يتحدثون عنها.. أين هي؟ لا أقول هذا إلّا بكل هدوء وبعيدا عن الإتهام، فأنا ليس من طبعي توجيه الإتهامات.

الأمور كلها في حالة تراجع، والمجتمع الاردني تغيّر، حتى وضع الأردن السياسي في المنطقة تغيّر كذلك، وهناك العديد من القضايا التي باتت تقيّدنا بصورة واضحة؛ كإتفاقيات النفط والطاقة  والمياه ، فلا أعلم إلى أين نحن ذاهبون.

ـ البعض يرى في الأردن بأن مجلس الأمن القومي الذي جرى إقراره مؤخرا ما هو إلّا سلطة أخرى، وربما يسحب البساط من تحت أقدام الحكومات القادمة.

ـ هذا كلام صحيح، فمجلس الأمن القومي غيّر مفهوم الدستور كاملا، وكذلك التعديلات الأخرى ، فعظمة الدستور الأردني تكمن في عملية الفصل بين السلطات الثلاث، لأن ما بينها هو عملية تكامل منظّم بلغة واضحة وبدون تغوّل واحدة على الأخرى، وهذه المعادلة هي التي حافظت على الأردن بشكل دستوري وقانوني وديمقراطي.

ـ هل هذا يعني بأن المفهوم الدستوري الذي نعرفه قد تغيّر فعلا؟

ـ طبعا؛ بهذا الشكل تغيّر المفهوم الدستوري ولم نعد نظاما نيابيا ملكيا وراثيا، بعد أن أصبح لدينا العديد من السلطات، ونحن هنا لا نعرف من هي تلك العقليات في الأردن التي اقترحت هذه التعديلات وكيف جرى الموافقة عليها دون مشاركة فعلية للناس من خلال المؤسسات الشعبية والجامعات ومراكز الدراسات وغيرها، والتي كان يجب إشراكها في عملية التغيير هذه، والسؤال هنا.. هل نحن فعلا بحاجة لمثل هذه التغييرات؟

وهنا يجدر القول بأن ما تمّ من تغييرات كان يمارس بالفعل بشكل أو آخر وكانت محمية بالدستور وهو الذي ينظمها وكان التعامل معها يتم بصورة مختلفة من قبل رأس النظام والحكومات ، واليوم تمّ قوننة هذه الممارسة.

ـ ألا ترى بأنّ التعديلات الدستورية الأخيرة أو بعضا منها موجّه للحكومات الحزبية القادمة وعملية إفراغها من محتواها؟

ـ لا أرى أبدا أي إمكانية لإنشاء حكومات حزبية، فالبنية التحتية للعمل الحزبي غير موجودة أصلا، ولا أعتقد بأنه ستكون لدينا أحزاب بالمعنى الحقيقي وتتداول السلطة، ولم أسمع أبدا بأن هناك حكومة تروّج للحياة السياسية، لأن ذلك يتم من خلال الحريات وممارسة حياة حزبية حقيقية بعيدا عن الضغوط، وما يجري هو عملية (هندسة) للحياة الحزبية ولن يقودنا للعمل الحزبي الحقيقي.

ـ ألا ترى بأن الدولة مقبلة على تأسيس حزبها.. حزب الدولة تحسّبا مما هو قادم؟

ـ تهافت الوجوه القديمة والتقليدية على إنشاء أحزاب لا يقود لحياة حزبية حقيقية، لا توجد أفكار، بل مجرّد تجمّعات لأشخاص يريدون العودة من خلال الباب الحزبي، ولكن من حق الدولة إنشاء حزبها حين يكون هناك أرضية حقيقية للعمل الحزبي، وما يجري اليوم عملية حرق مراحل وتحت سلطان الدولة فقط.

ـ شخصيات وفعاليات مختلفة تقول بأن قانون الأحزاب مفصّل على مقاس البعض، وأن غالبية الأحزاب القائمة حاليا سوف تندثر.

ـ الأحزاب الجديدة سوف تأتي بوجوه جديدة وربما أجيالا مختلفة ومفاهيم متغيّرة، وسيدخلها الوزراء والنواب والأعيان والشخصيات الهامّة، رغم أن الملك يدعو دائما لإشراك الشباب ، وأرى أن إدارة الحكم في المرحلة القادمة بعد عدة سنوات ستكون مختلفة، وأنا مع إنهاء هذا التشرذم في الحياة الحزبية والسياسية والإجتماعية.

ـ لننتقل إلى محور آخر يتمثل في رؤيتك للسياسة الأردنية، ألا تعتقد بأن السياسة الأردنية يعتريها الجمود أحيانا، ولماذا لا تعمل على تنويع خياراتها؟

ـ وضع الدبلوماسية الأردنية صعب جدا، فنحن محاطون بدول أكبر وأغنى من الأردن، وهناك تناقض بين تلك الأنظمة، وحتى نكون حراكيين ونشعر بالمساواة مع تلك الأنظمة فعلينا التعامل بحنكة ودهاء وذكاء وعدم الإنحياز لأي جهة.

شخصيا؛ أنظر بتقدير للسياسة الاردنية الخارجية في ظلّ ما يحيط بنا من تحديات، وأرى بأن هذه السياسة تمتاز بالحركة الدائمة، ونحن ندرك حجم الاختلاف والتفاوت بين الأقطار العربية وما جرى خلال الفترة الماضية.

ـ الأزمة الإقتصادية في الاردن آخذة في التصاعد.. ماهي توقعاتك لما هو قادم وما هو المطلوب؟

ـ على الحكومة أن تعلم بأن الوضع المعيشي بات جحيما لا يطاق ، والجوع يضرب فئات لم نكن نفكّر يوما بأنها ستصل لمرحلة الجوع، هذا الوضع خطير جدا وعلى الحكومة أن تتنبّه لذلك، ومنذ سنوات أطلقنا تحذيرات بهذا الإتجاه وحذرنا من سياسات الإهمال وسوء التقدير وأثره على المواطن والمجتمع ولكن لا حياة لمن تنادي.

مرّة أخرى أطلق تحذيرا بأن هناك حالة شديدة الخطورة لا يقدّر المسؤولون حجمها أو أثرها، اليوم نحن بحاجة لعمل سريع، والوضع وصل إلى مراحل متقدمة من السوء من الصعب إصلاحه إلّا من خلال مبادرات وإصلاح حقيقي حتى لو تأخرت النتائج، المهم أن نبدأ بصورة جديّة قبل استفحال الوضع ووصوله لمرحلة يصعب حينها إيجاد الحلول.

وللأسف الشديد لا توجد إجراءات حكومية حقيقية لإصلاح الوضع الإقتصادي، وما نسمعه يوميا ليس حلولا بل عمليات ترقيع، وعلينا عدم دفن رؤوسنا في الرمال، فالوصول لمرحلة الجوع آثاره مدمّرة.

ـ السلطة الفلسطينية وما أدراك ما السلطة.. لماذا كل هذا الإرتماء في الحضن الإسرائيلي، ما الذي يجري؟ لماذا تتصرف السلطة على هذا النحو، وهل ترى ملامح ثورة فلسطينية قادمة؟

ـ تمادي التعامل المشبوه بين السلطة وكيان الإحتلال يثير المخاوف والغضب الكبير، وأنا واحد من الذين يعتبرون أنفسهم قريبين من السلطة، ورغم ذلك فأنا غير قادر على فهم تصرفاتها وما يدور الآن وما هو تفسيره.

إسرائيل تسير بتسارع نحو تهويد الضفّة والقدس، ولم يعد هناك أي مجالات كما كان في السابق، وعلينا أن ننسى تماما موضوع حلّ الدولتين أو الكونفدرالية وغير ذلك من المسميات، فالحكومات الإسرائيلية تمكنّت من تغيير الوضع القائم تماما، وعلينا التوقف عن ترديد الجمل الإنشائية المكرورة التي لا تجدي نفعا.

أمّا فيما يتعلق بالوضع في الضفة الغربية، فالمواطنون هناك يشعرون بكبت شديد جدا، والإنفجار يمكن له أن يحدث في أي وقت.

ـ كيف تنظر لحالة التطبيع في العلاقات بين بعض الأنظمة وإسرائيل، لماذا وصلت الأمور إلى هذا النحو، وما هو الهدف من وراء ذلك؟

ـ إسرائيل هي العدوّ الواضح للأمة العربية ، فهم سرقوا فلسطين، نعم سرقوها بتواطؤ مع الغرب، ونواياهم بالتوسع موجودة ودائمة ولا تنتهي، والهدف الصهيوني واضح بجعل إسرائيل دولة يهودية خالصة، يريد البعض تحويل الأنظار نحو عدوّ آخر هو إيران، وهناك دول عربية ترى في إيران تهديدا لها، ولذلك بعض الأنظمة لجأت إلى إسرائيل حماية لها من إيران، ولكن كل ذلك بعيد عن المنطق ولا أظنّ بأنه سيستمر طويلا، وأرى بأن هذه الأنظمة قد تصحو يوما من غفلتها ولكن بعد فوات الأوان وحين لا ينفع الندم.

ـ يبدو أن هناك ما يحاك ضد الجزائر أمريكيا وصهيونيا  نظرا لمواقفها الواضحة تجاه القضية الفلسطينية، وهناك قمّة عربية عنوانها فلسطين ستعقد في الجزائر، ألا ترى بأن هذه القمة سيحاول البعض إجهاضها؟

ـ سيهرب بعض العرب من هذه القمة بسبب العنوان الكبير الذي تحمله (فلسطين)، حتى أن مستويات المشاركة ستكون في الحدّ الأدنى، هذا ما أتوقعه، وسوف تشهد القمة، إن تمّ عقدها، الكثير من المماحكات بين عدد من الدول التي ستشارك فيها ، ولكن أعتقد بأن البعض سيعمل على عدم عقد القمة، أمّا الخوف على الجزائر، فهذا الخوف موجود فعلا من قبل العديد من الأطراف التي تريد شرّا بها وفي مقدمة هؤلاء إسرائيل وبعض الأنظمة التي لا يروق لها السياسة الجزائرية المبدئية تجاه القضية الفلسطينية.

ـ  كيف ينظر طاهر المصري لمستقبل العلاقة بين الأردن وفلسطين، هل يمكن التفكير بنوع من الوحدة خاصة وأنّ مسألة إقامة دولة فلسطينية بات مستحيلا؟

ـ من الأفضل السعي نحو تحرير فلسطين، ولا يجب أن نفكّر دون ذلك، وبعدها يمكن الحديث حول مستقبل العلاقة بين الجانبين، نريد فلسطين دولة ذات سيادة قبل كل شيء، وعلى الجانبين الأردني والفلسطيني العمل على تحديد الأولويات وعدم الخوض في تفسيرات ونظريات واتهامات، فهذا ليس الوقت المناسب لذلك.

ـ لننتقل من الإطار المحلي والعربي وصولا للأزمة بين روسيا والغرب ، كيف تنظر إليها وهل يمكن أن تتسع دائرة الصراع بعيدا عن أوكرانيا؟

ـ منذ أن ارسل الرئيس بوتين تحذيره للغرب وحلف الناتو تغيّر العالم ، ولا نعرف كيف ستكون عليها النهاية، فالغرب لم يأخذ بعين الإعتبار مشاعر الروس لحماية أمنهم الوطني.

عندما انهار الإتحاد السوفييتي ضعفت روسيا ، واستولى على الحكم العديد من الشخصيات الفاسدة وانتشرت العصابات، ومع مجيء بوتين حاول إنقاذ روسيا من الإنهيار، فبدأت بالعودة إلى دورها.

حاولت مساعدة ليبيا ثم خرجت منها بطريقة مهينة فاتجهت نحو سوريا ، وهناك تغيّر الوضع ، فبات لروسيا أظافر ومخالب، وأرسلت تنبيهات للغرب بأنها لن تكون هامشية بعد اليوم، وقبل  ذلك كله تم حل حلف وارسو وبقي حلف شمال الاطلسي لا بل وعملوا على إدخال سبع دول من دول الإتحاد السوفييتي في عضويته، وقاموا بنقل منظومات صواريخ وغيرها من الأسلحة لأراضي تلك الدول بحجّة محاربة الإرهاب ، وهذه نوايا أدركها بوتين، فتحرّك لحماية روسيا من هذا التغوّل الغربي والأمريكي تحديدا.

ـ  كيف ترى التحالف الصيني الروسي، وهل نحن أمام انقسام عالمي واضح بين الشرق والغرب، وهل العالم بعد أوكرانيا هو غيره ما قبلها؟

ـ روسيا متحالفة بقوة مع الصين، وعلى الغرب أن يدرك ذلك، الوضع الإقتصادي في العالم سيتغير، وسيواجه العالم ظروفا اقتصادية شاقة، وسيرتفع النفط بصورة جنونية كما يزعمون، وكل خطط ومشاريع الغرب سوف تتغير.

لا بدّ هنا من استخلاص الكثير من النتائج، فمثلا ماذا سيحدث للإتحاد الاوروبي، هل سيضعف مثلا؟ المانيا ستكون أول الخاسرين ، ومعظم استثماراتها ستكون معرّضة للضياع ، وكيف لإسرائيل أن تستثمر هذا الوضع الناشيء؟

العالم هبّ باتجاه دعم أوكرانيا ورفض احتلالها، ويغض النظر عن احتلال فلسطين، الغرب قام بتهجير شعب بأكمله من فلسطين، وحتى هذا اليوم ما زالت معاناة الشعب الفلسطيني قائمة دون حلّ ، فهل في نظر الغرب والولايات المتحدة يوجد إحتلال حلال واحتلال حرام؟

ـ  إذن الإنقسام سيحدث بين الشرق والغرب ، وفي هذا الإتجاه ماذا بأمكان أوروبا أن تفعل؟

ـ بعد سقوط الإتحاد السوفييتي كان يجب على الغرب استقطاب روسيا وإيجاد مخرج لها، والعمل على إدخالها في المفهوم الأوروبي، روسيا دولة شاسعة المساحة، نصفها في أوروبا والنصف الآخر في آسيا، والغرب لم يفعل شيئا تجاه روسيا، واليوم تتجه نحو الصين في تحالف كبير بين قوتين لا يستهان بهما، فالصين دولة متقدمة جدا على الصعيد الصناعي والتكنولوجي وروسيا متقدمة عسكريا ، وعلى الغرب أن يعي ذلك جيدا.

ـ ما زالت الدول العربية في آخر الأمم، ويزداد تهميشها، كيف ترى تأثير هذه الأزمة على الدول العربية؟

ـ نحن بالفعل بتنا منذ زمن طويل على الهامش، ولا تأثير لنا على الساحة الدولية، ولكن المستفيد فقط بعض دول الخليج بسبب وجود النفط وارتفاع سعره، ولا يوجد ما يلوح في الأفق فيما يتعلق بعودة الروح للتضامن العربي ،مع اقتراب عقد القمة في الجزائر، والجامعة العربية أضعف من أن تقدّم مشروعا حقيقيا لإعادة التضامن، حتى هذا المصطلح أصبح من الماضي وضرب من الاحلام والأوهام ، وفي كلّ الأحوال أنا لست متفائلا أبدا وأشعر بالخوف الشديد والخشية مما هو قادم