رسالة الى ميّت

رسالة الى ميّت

السفير نيوز – الدكتور حسين العموش

ثلاثة امتار مربّعه من التراب الناعم الخالي من الحجارة الكبيره سيهال عليك ،نعم المساحه ضيقه وهامش الحركة محدود جدا ، نصف متر في مترين (١ م) مربع هي مساحة القبر .

الخيط المربوط في اسفل القدمين اتركه وشأنه ، لن تحتاجه ،فكّر في الخيط المربوط في أعلى الرأس.

أشتريت في حياتك مئات (لمبات الاناره) دفعت الاف الدنانير لشركات الكهرباء لقاء خدمات الاناره ، كل هذه لن نجدها الان في مقر اقامتك الاخير ، ظلام دامس وموحش .

ستنام على جنبك الايمن ، عوّد نفسك النوم على هذا الجنب ، الفرشة الزنمبركيه العريضه ، الفرشة الطبيه ، الحرام الكهربائي الدافئ لن تجده ، انسى كل ذلك ، لن تجد الى التراب ، من تحتك تراب ، من فوقك تراب ، من جنبيك تراب ، تراب في كل مكان.

وحدك الان في مواجهة اسراب من الدود ستأتِ اليك، انتظرها ، هي قادمة لا محاله ، دوده صغيره جدا بحجم حبة الارز ، هل تذكر انواع الارز التي تنعمت فيها في دنياك ، هل تذكر عدد المناسف التي التهمتها في عمرك القصير .

وحدك الان ، بلا صوت، بلا حركة، بلا مرسيدس ، بلا فيلا ، بلا ارصدة في البنوك، انت وحدك في مواجهة مصيرك ، لا ولد ولا زوجه ولا اخ ولا اخت ولا صديق .

تحملني يا صديقي الميت ، سأنقل لك الصورة لما يحدث في بيتك ، يجب ان تواجه الحقيقة ، ابنك الكبير اختلى في هاتفك النقال وفتح حسابك البنكي واطلع على رصيد حسابك .

ابنك الاوسط عينه على ساعاتك الثمينه ، حدثته نفسه بالاستيلاء عليها ، ابنك الصغير يخطط لتكون سيارة المرسيدس من نصيبه ، زوجتك يا صديقي الميت فتحت القاصة مساء امس بعد ان احكمت اغلاق باب غرفة النوم ، الدولارات التي صففتها اخذت منها عشرة الاف ، الليرات التركيه والجنيهات واليورو تفقدتها لكنها اعادتها الى مكانها .

يؤسفني ان ابلغك يا صديقي ان التمر والبهار الذي وزع عن روحك في ايام العزاء ليس من افخر الانواع ، يؤسفني ان ابلغك ان ابنك الكبير استخسر فيك ستين دينارا ثمنا لانواع فاخره من تمر المجهول ، لاول مرة في حياته اراد ان يوفر ، فمارس عليك اول تدريب في التوفير.

بعد شهرين سينساك الجميع وستعود حياة الاسرة الى طبيعتها ، وحدهم الاشخاص الذين ظلمتهم لن ينسوك .