د.زهير أبو فارس يكتب: لشركائنا الاوروبيين .. مواقفكم مخيبة للأمال!

د.زهير أبو فارس يكتب: لشركائنا الاوروبيين .. مواقفكم مخيبة للأمال!

السفير نيوز
باستثناء المظاهرات والفعاليات التضامنية للعديد من الشعوب الاوروبية مع الشعب الفلسطيني، فإن حال الموقف الرسمي الأوروبي، اقل ما يمكن ان يقال عنه، بأنه محبط ومخيب لامال العرب الذين راهنوا على عدالته وقيمه الإنسانية لعقود طويلة، والذي تجلى بشكل واضح خلال العدوان الاسرائيلي البشع الذي لا يزال قائما على غزة ومجمل الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس. وفي هذا المجال يمكن طرح الملاحظات التالية:

اولا: إن المواقف الاوروبية في النظر الى ما يجري من عدوان همجي لدولة الاحتلال الاسرائيلي على غزة والذي تعدى ممارسات العقاب الجماعي إلى الابادة الجماعية والتطهير العرقي بحق المدنيين الأبرياء، وتدمير البنى التحتية، وقتل وجرح ما يقارب المائة الف فلسطيني، وتحويل غزة إلى أكبر مقبرة للأطفال والنساء في العالم، وتهجير مئات الآلاف من ديارهم، في ظروف لا إنسانية لم يشهد التاريخ مثيلا لها.. على أنها جاءت ضمن مفهوم “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”، إثر أحداث السابع من اوكتوبر الماضي. مع ان الاوروبيين، تحديدا، كانوا الأكثر إطلاعا ومواكبة ومعرفة بجذور القضية الفلسطينية. بل والبعض ساهم في الظلم التاريخي الذي حل بالشعب الفلسطيني منذ وعد بلفور، مرورا بالمشاركة في صياغة كافة القرارات الدولية ذات الصلة بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ (بما فيها القدس)، وحق اللاجئين بالعودة والتعويض. ولكن -وللأسف- بقي الموقف الاوروبي مؤيدا لها قولا، ولم يقم بما يلزم لتطبيقها، أو حتى الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية، كوسيلة لفرض الأمر الواقع، انتصارا للشرعية الدولية.

ثانيا: إن العجز والتردد الذي يبديه الغرب عندما يتعلق الأمر بدولة الاحتلال الاسرائيلي ربما يربطه البعض بحالة الشعور بالذنب تجاه ما تعرض له اليهود في أوروبا، والتي كان آخرها الجرائم النازية بحقهم ، والتي لم يكن لنا العرب اي علاقة بها ، لنتحول إلى ضحايا ندفع الثمن غاليا لممارسات واعمال اضطهاد نحن ندينها من منطلق ديننا وقيمنا الإنسانية، بل وأكثر من ذلك ، فقد عاش اليهود عصورهم الذهبية بين ظهرانينا، في ظل الحضارة الإسلامية، وباعتراف مؤرخيهم، والاندلس نموذج ساطع على ما نزعم.

فهل هذا التاريخ المأزوم يعطي العالم الحق ان يحل مشاكله الأخلاقية على حساب الفلسطينيين، وان تكون إسرائيل فوق القانون ، وتستمر في احتلال وتهويد أرض الشعب الفلسطيني، ضاربة بعرض الحائط كل القرارات والمواثيق الاممية، وتقترف الجرائم الوحشية اليومية لكسر إرادة أصحاب الأرض الأصليين في مقاومة الاحتلال، التي كفلتها قوانين الشرعة الدولية .

ثالثا: وما يزيد الأمر تعقيدا وخطورة ما تقوم به دولة الاحتلال، بقيادتها اليمينية المتطرفة القائمة على الأفكار الصهيونية الدينية العنصرية ، من ممارسات محمومة لإقامة الدولة اليهودية النقية من اي عنصر غير يهودي ، وما يعنيه ذلك من مصادرة أراضي الفلسطينيين ، ونشر الاستيطان في كل مكان ، والتضييق عليهم واذلالهم، وتحويل حياتهم إلى جحيم ، بهدف تهجيرهم من وطنهم . وما يجري في غزة من عدوان وحشي ، وما تقوم به عصابات المستوطنين في الضفة الغربية والقدس يهدف إلى تحقيق هذه المخططات التوسعية الاحلالية. اي أن هذه القيادة العنصرية تجر المنطقة برمتها إلى حروب دينية ، وفتح جبهات جديدة مع العالم الاسلامي، وبخاصة ما يتعلق بالاعتداءات المتكررة على الأماكن المقدسة في القدس، ضمن مخطط اليمين الصهيوني الديني المعلن في هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم ، مما سيؤدي، لا محالة ، إلى فقدان اليقين ، وإغلاق اي أفق للسلام المبني على استعادة الحقوق، ودخول المنطقة في دوامة العنف والحروب المدمرة وعدم الاستقرار، والتي لطالما حذر من تداعياتها جلالة الملك عبد الله الثاني في كافة المحافل الدولية .

كما أن إصرار دولة الاحتلال على المضي قدما في هذه المخططات الخطيرة ، ستؤدي إلى حرب دينية لن تقف تداعياتها عند حدود المنطقة، بل ستتعداها لتشمل أوروبا، التي يعتبر المسلمون احد مكونات مجتمعاتها، مما قد يؤدي إلى صراعات ليست في صالح احد بين الغرب والعالم الاسلامي ، الذي تربطه بعالمنا العربي علاقات الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة.

من هنا تأتي أهمية وضرورة ان تغادر أوروبا الرسمية حالة التردد والمراقبة والمواقف الاستحيائية تجاه ما تقوم به دولة الفصل العنصري ، وأن تتحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية في المحافظة على السلم العالمي ، القائم على قيم الحرية والعدالة وحق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير.

وأخيرا، فإن استمرار أوروبا في جلد الذات على حسابنا ، لاسبابها التاريخية ، وإظهار العجز في اتخاذ المواقف الحاسمة للوقف الفوري للعدوان والمجازر الاسرائيلية في غزة والضفة الغربية، والتخلي عن العمل على إيجاد أفق سياسي جاد وعملي لحل القضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، سيؤدي إلى فقدان أوروبا لدورها التاريخي ، الذي لا زالت تراهن عليه شعوب المنطقة. كما أن غياب الحلول العادلة سيدخل المنطقة العربية في معادلة الصراعات والاستقطابات الدولية ، على أسس مصالح الشعوب والأمم الجيو-استراتيجية ، في عالم متحور يجري -على ما يبدو- إعادة تشكيله .

فأين الموقف الأوروبي من كل ما يجري، انطلاقا من مصالحها وقيمها الحضارية والإنسانية؟.

سؤال سيبقى برسم الإجابة التي لاتحتمل المزيد من التأخير!

* عضو مجلس الاعيان