تحسين أحمد التل يكتب:سهل حوران؛ سلة غذاء روما

تحسين أحمد التل يكتب:سهل حوران؛ سلة غذاء روما

السفير نيوز

يُعد سهل حوران الممتد على مساحة ضخمة جداً من أراضي بلاد الشام، من أفضل السهول الخصبة على مستوى العالم، ويبتدىء السهل جنوب مدينة دمشق الى درعا، والرمثا، وشمال الأردن، ومنطقة طبريا مع الأغوار الشمالية، وكانت روما تعتمد على هذا السهل في تموين جيوشها بالقمح، والماشية، والإبل، ومختلف أنواع الخضار والفواكه، وأطلق الرومان على المناطق التي اعتمدت عليها في الجانب الغذائي: إهراءات روما، وكان أحد هذه الإهراءات، إهراء حوران، أو سهل مملكة حوران الذي كان بمثابة سلة غذاء للإمبراطورية الرومانية.
يقع الجزء الأكبر من سهل حوران في منطقة شمال الأردن، ويبدأ من طبريا، والأغوار، ويتسع ليشمل محافظة إربد قبل أن تنفصل مدنها وألويتها القديمة، ويصل الى حدود الشام.
يشتهر إقليم حوران، أو إهراء حوران، بالقمح على رأس التصنيف الغذائي المتعارف عليه في بلاد الشام، وباللحوم، ومن هذين الصنفين؛ اخترع سكان منطقة حوران العديد من المأكولات القديمة، مثل: المناسف، والمكامير، والمردد، والمبصل، واللزاقيات، وكل ما يتعلق بالقمح.
أما العيون المائية التي كانت تسقي جيش روما في منطقة حوران الأردنية، كان هناك عشرات العيون يعتمد عليها السكان، وعسكر الإمبراطورية الرومانية، ويكفي أن نتحدث عن عين قويلبة، الموجودة في منطقة حرثا شمال قصبة إربد، هذه العين تعمل بكل كفاءة منذ ما يزيد على ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة.
أنجبت حوران الشاعر العربي الكبير أبو تمام عام (843 – 796) ميلادي.
والفقيه محيي الدين النووي (1255 – 1300) ميلادي.
وابن القيّم الجوزيّة (1292 – 1349) ميلادي، وإن كان مولوداً في دمشق إلا أن جذوره تعود إلى حوران.
واسماعيل بن كثير صاحب كتاب: البداية والنهاية.
كما أنجبت الفقيه الشافعي، والعالم الكبير العزّ بن عبد السلام (1181 – 1262) ميلادي، ويكفينا أن نؤكد على أن العز بن عبد السلام الإربدي، كان له يد في انتقال الخلافة من السلطان علي بن أيبك الى السلطان المظفر قطز قبل معركة عين جالوت ضد الموغول، ولم يكتفي العز بن عبد السلام، إنما ألقى خطبة في مسجد القاهرة الكبير، وأمام حشد من المسلمين يعلن فيه خلع السلطان الصغير علي وتسليم الخلافة الى المظفر قطز، حتى يتفرغ لإعداد الجيش المصري من أجل حرب الموغول.
وأنجبت حوران في القرن العشرين، أحد أعظم الشعراء العرب، الشاعر الوطني (مصطفى وهبي) صالح التل، الملقب بعرار، وقد جاءت حوران على لسانه في أكثر من قصيدة، إذ قال:
قالوا تدمشق، قولوا ما يزال على علاته إربدي اللون حوراني.
وقال امرؤ القيس في وصف حوران أثناء مروره بها قاصداً بلاد الروم:
ولما بدت حوران و الآل دونها نظرت فلم تنظر بعينيك منظراً.
و قال جرير:
هبت شمالاً بذكرى ما ذكرتكم عند الصفاة التي شرقي حوراناً.
وقال الشاعر(القروي) في ديوانه المعنون: أعاصير، وكان يشيد بمآثر أهل حوران، ونضالهم ضد المحتل الفرنسي:
من قمح حوران أراد وليمة فأتاه سـمّ الموت من حوران.
ولن ننسى قصيدة: يوماً على يوم، للشاعر السوري سعدو الذيب، والتي غناها بصوته القوي الجميل المرحوم فهد بلان حينما قال:
ع البال بعدك يا سهل حوران شرشف قصب ومطرز بنيسان.
لم تعد حوران كما كانت في السابق، سلة غذاء روما، لم تعد ملتقى الشعراء، والعلماء، والثوار ضد الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لم تعد حوران منطقة سهلية تشاهد على أرضها القمح، والشعير، والمياه العذبة، والسدود المائية الصغيرة، ومرتع الإبل والماشية، صارت حوران غابات كثيفة من الإسمنت، وأصبحت الزراعة آخر ما نفكر به، بعد أن أصبح وأمسى من الماضي الجميل…