تحسين أحمد التل يكتب: (مصطفى وهبي) التل، أيقونة الشعر الأردني والعربي. عرار؛ استخدم كلمات ومعاني معقدة في قصائده الشعرية

تحسين أحمد التل يكتب: (مصطفى وهبي) التل، أيقونة الشعر الأردني والعربي. عرار؛ استخدم كلمات ومعاني معقدة في قصائده الشعرية

السفير نيوز

يُعد الشاعر الأردني (مصطفى وهبي) صالح المصطفى التل أحد أهم شعراء الأردن والوطن العربي، شاعر تفرد باللون الوطني، والسياسي، إذ لم ينازعه عليه أحد، لا قبل ولادته ولا بعد رحيله، وأكاد أجزم أن الأم الأردنية لم تأتِ بشاعر يشبه عرار حتى يومنا هذا.
تعددت طرائق الشعر لديه، فكتب، ورسم، ولون، وشكل، وبرع، وأبدع في قصائد على نمط، وأسلوب الخيام في الشعر، وتفلسف حتى يكاد المتابع يعتقد بأنه أمام أحد فلاسفة العصر، وتغزل بصبايا الوطن شعراً حتى اعتقد البعض بأنه من شعراء الغزل العذري…
تنوع شعر عرار، وأسلوبه السهل الممتنع، والمعقد في بعض القصائد؛ جعل منه شاعراً متمكناً من ناصية الشعر، وحالة ثقافية متكاملة، فريدة من نوعها، تنقل في شعره بين البيئة الأردنية، والموقف السياسي، وصور الفساد الحكومي، والفقر والبطالة على أنها وحوش يمكنها التهام جيلاً بأكمله، ولم ينسى ما فعله الاستعمار الإنجليزي، وكيف سمح بهجرة اليهود الى فلسطين، كلها أسباب جعلت من قصائد (مصطفى وهبي) تتميز عن غيرها من القصائد.
نتج عن ذلك بروز العديد من الكلمات، والمعاني الصعبة، والمعقدة، والقاسية، وما كان يتطلبه الموقف العام، أكد على أن قصائد عرار من الصعوبة بمكان؛ فهمها، وترجمتها، وتحليلها دون أن يكون القارىء على درجة كبيرة من الوعي، والفهم، والثقافة، والعلم.
عرار وصل صيته الى العالمية، تجاوز الوطن، والإقليم، والمنطقة الآسيوية بأسرها، وصار شعره، وأدبه، وحياته الخاصة؛ ملاذاً لطلاب العلم، والثقافة، وأساتذة الأدب الغربي، إذ استطاع بعض الباحثين من فرنسا وبريطانيا؛ تقديم رسائل دكتوراة وماجستير في أدب وشعر عرار.
سنركز في هذا البحث على كلمات صعبة، ومعقدة؛ استخدمها الشاعر الكبير عرار ضمن قصائده، وأعتقد أنها كانت، وربما ما زالت عصية على الفهم، ليس فقط في الأردن، إنما بين قراء ومحبي الشعر في العالم العربي.
أما الكلمات والمترادفات فقد كانت على النحو التالي:
1- جاءت كلمة عذية، من خلال قصيدة أخت رم، وقصد بها: المنطقة ذات الهواء الطيب.
يا أخت رم كيف رم وكيف حال بني عطية
هل ما تزال هضابهم شما وديرتهم عذية
2- المناكيد (ومفردها منكود) في قصيدة: بقايا ألحان وأشجان، وتعني: الأشقياء، أو البؤساء.
أما أنا والمناكيد الذين هم قومي وصحبي وندماني وخلاني
فحسبنا نعمة الذل التي نخرت عظامنا وأعزت أهل عمانِ
3- كلمتان مختلفتان في المعنى: جريض وقريض، وتعني كلمة جريض: الغصة، أو الاختناق بالريق، والقريض هو الشعر – ذُكرت هذه الكلمات في قصيدة عشيات وادي اليابس:
قانون هوبر حال بعض جريضه دون القريض ودون كل بيان
4- كلمة؛ خابيتي، وهي الخابية المصنوعة من الفخار، يوضع فيها الماء أو الزيت، وجاءت الكلمة في قصيدة: يا جيرة البان.
أصبحت أمساً ويأساً، فادن خابيتي أسبح الكأس أو أستغفر ألحانا
5- الهبر، وهو أحد أفراد النور، كان عرار يستخدم اسمه عند الحديث عن المجتمع النوري، وكان يعتبره مقياس لحياة النور، وأسلوب معيشتهم، ونموذج واقعي لصفات الإنسان الذي يعيش على هامش الحياة، دون أن يكون له أي قيمة داخل المجتمع الأردني، أو أي مجتمع عربي، أو أجنبي عموماً، وكان يستخدم اسمه أيضاً لإيصال رسائل الى القضاء، أو الى الحكومات، ويشتم من خلاله رجال السياسة والحكم.
كنت اطلعت على هذا المجتمع غريب الأطوار خلال دراستي في إيطاليا عام (1981)، فوجدتهم ينامون على جوانب الطرقات، وتحت الجسور، وفي الحدائق العامة، ويتناولون بقايا الطعام، أو يبحثون عما يسد جوعهم من حاويات القمامة، أو ينتظرون أمام المطاعم ليأخذوا ما تبق من خبز، أو قطع دجاج مأكولة، أو عظام، وبقايا خضروات، بمعنى آخر كانت وما زالت حياتهم أشبه بحياة الحيوانات إن لم تكن أسوأ.
من بين القصائد الرائعة للشاعر (مصطفى وهبي) التل، جاءت قصيدة: العبودية الكبرى:
يا مدعـي عام اللواء وأنت مـن فـهـم القـضـية
الهـبر جاءك للسلام فـكـيـف تـمـنـعه التحية
ألأن كــســوتــه مــمـزقـة وهيـئته زرية
قد صده جنديك الفظ الغليظ بلا روية
وقصيدة يــا هبر لا بـشرى ولا حوارة:
يا هبر لا بـشرى ولا حوارة يطربها عـزفـك بـالقـيـثـارة
حـسـب الأمـة الحـمـارة حكومة براجة بصارة
ملاحظة:
الهبر هو: محمد الفحل كما جاء في كتاب البدوي الملثم، لمؤلفه يعقوب العودات، وقد أطلق عليه عرار إسم الهبر لكثرة لحمه وشحمه، وكان يُعد من أحقر طبقات النور، وأقلهم شأناً، لذلك اعتبره نموذجاً لحياة النور التي تتسم بالصعلكة، والتسول، والتسكع، وانعدام الإنضباط.
أما أكثر الكلمات صعوبة فقد جاءت في قصيدة عرار الموجهة الى إسعاف النشاشيبي:
أقسم بالمصيف والمصطاف ونشوة الندمان بالسلاف.
لا تعجبوا يا قوم لأدر نغاقي لثغركم ببزة العملاق
بعد الذي كان من احرنباقي في موطن ما العيش بالغيداق
فيه على المفوه المصلاق
بيروت فندّ الفضل والتهذيب والشيخ في بيروت كالشنخوب
ليس من اللغو ولا الإملاذ كلا ولا طرمذة الطرماذ
بل واجب الفذ على الأفذاذ
وكانت معاني الكلمات على الشكل التالي:
– أدر نغاق: أي أسرع.
– أحرنبق: التصق بالأرض.
– الغيداق: الواسع.
– المصلاق: الخطيب المتحدث.
– الشنخوب: رأس الجبل.
– الإملاذ: الغش والكذب.
– طرمذة الطرماذ: شعوذة المشعوذ.
جاءت كلمة (المضام) في قصيدة الفلا والعود، وهي من الأغاني المستخدمة في المجتمع النوري، والمضام تعني: القماش الرديء.
لبسوا الحرير وشعبنا يا هبر لا يجد المضام
نقضوا العهود فلا عهود ولا وفاء ولا ذمام
ومن الكلمات التي ابتدعها عرار كلمة تمشكح، وتعني التسكع، والاستهتار، وجاءت في قصيدة تعتبر من أجمل قصائده، وكانت بعنوان: بقايا ألحان وأشجان، ومما جاء فيها من بديع الكلام، وجمال النظم الشعري، ما يأتي:
قالوا تمشكح في يافا لقد صدقوا إني تمشكحت رغم العاذل الشاني
يافا عروس فلسطين التي غبرت ما في يدي خلا شجوي وأشجاني
يا أهل يافا لقد والله أرقني برق تألق في أجواء حسبان
وقد استطاع الشاعر حيدر محمود أن يبني عليها قصيدة ابتدأها بالبيت الذي يقول:
عفا الصفا وانتفى يا مصطفى وعلت ظهور خير المطايا شر فرسان.
وقد استمد أبيات قصيدته من معارضة قصيدة عرار بقايا ألحان وأشجان التي يقول في مطلعها:
عفا الصفا وانتفى من كوخ ندماني وأوشك الشك أن يودي بإيماني
بطبيعة الحال، لو أردنا ترجمة كلمات قصائد الشاعر الكبير (مصطفى وهبي) التل، لكنا بحاجة الى كتاب كامل، وربما أكثر من ذلك، لكننا اجتهدنا، واخترنا الكلمات الأصعب، وتركنا للقارىء مهمة البحث عما يواجهه من كلمات خلال قراءة شعر عرار، والإبحار بين قصائده الأكثر من رائعة…
كلمة أخيرة؛ أقول، إن عملاق كهذا العملاق لا يكفي كتابة تقرير صحفي عنه، أو تأليف كتاب، أو مجلد، أو ندوة شعرية، أو مؤتمر ثقافي في كل عام، وينتهي الأمر، لأن عرار ليس من الشعراء الذين ينظمون الشعر، ويدبجون القصائد، كغيره من الشعراء، هو حالة وطنية فريدة من نوعها، حالة ثقافية وأدبية وشعرية منفردة ومتكاملة، لم تقدم له الدولة ما يستحقه من تكريم، ولم نصل الى الحد الأدنى من التوثيق والاهتمام بتاريخ هذا الشاعر والسياسي، ورائد الأدب والفكر الحر.
انتهى التقرير بحمد الله…