محمد عبدالكريم الزيود يكتب : إلى منصور المعلا

محمد عبدالكريم الزيود يكتب : إلى منصور المعلا

السفير نيوز
أكتبُ إليك يا صديقي وابن عمي من العالوك، صعدتُ اليوم هذه التلال وكأني أرى خيط من الغيم يربط غريسا بالعالوك، والتراب نفس التراب، والزيتون نصفه هنا ونصفه هناك، هذه القرى ربما مثل القلب نقتسمه بين بلادنا، وتضخّ حُبها في شرايينا، تقسو علينا ونظل نحبها..
يا منصور يا حفيد بركة المصطفى، أحد كرماء البلقاء وبيت من بيوت الكرم والجود، كانت عباءة جدك وطنا، ويده سيفا، ولسانه قصائد، ما خاب من إستغاث به، ولا ظلم من إستجار به.. فكان طيبا على طيب، بيوت أهلك مشرعة وقهوتهم يفيض بها الهيل، وسيوفهم لا تشرع إلا لقطع حق أو ردّ مظلمة..
عرفتُ منصور مثقفا عاليا، ينصت له من يحب وطنه ويخاف عليه، قارئا منذ كان فتىً يافعا.. صاحب رأي مستقل، يحلل بين السطور ، وله رؤيا مضمخة بتاريخ بلادنا..
قبل أن يرحل حبيب الزيودي قال لي يوما : تعال إنت ومنصور لنشعل نارا في العالوك ونبكي على ترابنا..
وكتبتُ يومها: الى الصديقين العزيزين حبيب الزيودي و منصور المعلا : بينَ “العّالوكِ “و ” غَريسا” خَيطٌ مِنْ القداسةِ ما زّلنا نُصلّي في مِحرابهِ”…
كان حبيب يعرف قيمة منصور وأن له نبوءة قادمة،
وكأنه عندما كتب لصايل الشهوان كان أمامه منصور : فتى به سمرة تغوي البنات
إذا ما سرّج المهرة الشهباء أو ركبا ”
وربما أول من إحتفل بديوان حبيب الأول “الشيخ يحلم بالمطر” كان في مضافة نصرالله سالم البركة والد منصور، لذا كان قريبا وربما حافظا للشعر والشعراء وحكايات الفرسان ومهاقي الرجال..
كنت أتابع منصور مبكرا بكل ما يكتب، وهو يكتب بسقف عالٍ، ويفكر بصوت أعلى، كان البعض يخشون أن يضعوا له إعجابا، وعندما إنطلق الربيع العربي كان منصور في مقدمة المسيرات وإعتلى ميدان الشهيد راشد الزيود في الزرقاء يرفع صوته عاليا مخترقا كل السقوف.. ربما هدأ قليلا بعدما كان من مجموعة الشباب الذين تم إختيارهم في بيت رجائي المعشر مع أحد “المرجعيات العليا” ..!!
حضرتُ معه لقاء سياسيا، وقف وقال رأيه بلا هوادة، وأعرف أن الوطن عند منصور لا يقبل القسمة ولا المهادنة، ولا يعرف المجاملة.. رفع حرارة الجلسة يومها.
منصور يمتلك قلمه ومحبة الناس له، وكما يعود من عمان ككل يوم إلى غريسا لتفقد زراعة البرسيم، ويساعد الراعي في جلب الغنم من مراعيه في “الحصب”، سيعود كما عرفناه أردنيا يشبهنا، لم تغيّره ربطات العنق ولا عطر المكاتب.
شهادتي بك يا ابن عمي ويا ابن دمي، شهادة مجروحة ولكنها شهادة حق، أقولها ولست سائلا أحد بعدها فمثلك لا يحتاج مدحا منّي، ومثلي لا يشهد زورا بأحد ، ولأنّك المثقف الواعي، المحب لوطنك ، المقاتل الشرس الذي لا يروّض بسهولة، حصان جامح، لذا فإننا نراهن عليك، ونثق بك، وإنك عنوان المرحلة، وإنك لها بإذن الله.