د.رويدة زهير العابد تكتب: الغرس الثقافي

د.رويدة زهير العابد تكتب: الغرس الثقافي

السفير نيوز
تعد الثقافة لبنة أساسية في بناء الحضارات المتقدمة، فالحس الثقافي يمثل عامل مهم للبلدان والشعوب نستطيع من خلال ملامسته الحكم على مصير الدول والأمم؛ فالثقافة كما نعلم أنها بوتقة تحمل في طياتها اللغة والفكر والعلم، والعادات والتقاليد والقيم والمبادئ، والمعتقد والدين والطقوس والشعائر والفن والمكونات المادية من حيث المسكن الملبس المباني كذلك يضاف لها البناء الاجتماعي من ناحية الهيكل الاجتماعي والأدوار والمراكز الاجتماعية والطبقات الاجتماعية. فمن خلال الثقافة يمكن الحكم على السلوك المجتمعي؛ لكون السلوك يكون نابع من المعتقد وطريقة التفكير والضوابط الاجتماعية المحيطة بالإفراد، بالإضافة إلى ذلك تمثل الثقافة دورًا بارزًا في تحديد نوع الحراك في المجتمع من جميع الجوانب وعلى كافة المستويات والأصعدة كالحراك السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والتعليمي والمؤسسي. ناهيك عن ذلك تكون الثقافة مهددة بسلاح ذو حدين احدهم يمثل الشق الايجابي والشق الآخر يحمل في طياته الطابع السلبي. أما عن الجانب الايجابي هو ما نبحث عنه ونعزز منابعه وأصوله ليغذي القيم والعادات والتقاليد للأفراد، ولكن كما نعلم أن المشكلة تكمن في أن هناك منبع سلبي يغذي الثقافات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة يكاد يغزو ثقافة كل فرد على حدا خصوصًا مع الانفتاح الكبير الذي حدث بفعل أبعاد العولمة من ناحية بعد العولمة السياسية والاقتصادية والعولمة الثقافية والعولمة التكنولوجية والعولمة التعليمية والعولمة الإعلامية التي تساهم في تعزيز اكبر قدر من الثقافة المخالفة لثقافات الشعوب ومما يؤكد صحة ذلك الادعاء هو ما سطره التاريخ في بطون الكتب وما أشارة إليه النظريات كنظرية الغرس الثقافي التي تشير إلى أن وسائل الإعلام تؤثر على المدى الطويل على الادراكات والمعتقدات للأفراد.
وبكل واقعية إذا لم نبني منظومة ثقافية مشيدة بالقيم والمعايير الأخلاقية تصبح العولمة والثورة المعلوماتية والتكنولوجية والإعلامية أسلحة فتاكة تهدد أمن الثقافات والبلدان بسبب الكم الهائل من الأفكار الهدامة التي تغرس في عقول أفراد المجتمع فئة الأطفال والشباب وكبار السن ذكور وإناث ويتم ذلك من خلال العبور والغزو لعقولهم والسيطرة عليهم عبر عدة مداخل منها الدعاية والإعلان والترويج وقد يكون باب لتسريب الأفكار الدخيلة الهدامة المقصودة لضرب قيم المجتمع من خلال إثارة مشاهد تهدف إلى تفتيح الأذهان والعيون على أفكار تهاجم الثقافات بحيث يكون باب الدخول هو من باب النصح والإرشاد تبث فيه مواقف لا علاقة لها بالقيم الأخلاقية والدليل على ذلك بث مقاطع قصيرة جزئية في مواقع البيئة الافتراضية كمواقع التواصل الاجتماعي ومتاجر التطبيقات الذكية والألعاب الالكترونية تبث قيم الغدر والخيانة والغش والخداع والتجسس والمشكلة تكمن بأن تلك المقاطع والوثائق غير معالجة للمشكلة المطروحة في نهاية مقاطع الفيديو.
والآن عزيزي القارئ قد تشكل لديك الشعور بالأزمة الثقافية الأخلاقية التي تغزو ثقافتنا الأصيلة وبدأ يطرح في بالك العديد من الأسئلة هل يوجد هناك حلول لتلك القضية التي تحكم على مصير الأمم؟
نعم بكل تأكيد ويتم البدء بذلك بالإصلاح والتقويم من خلال القيادة التربوية الحكيمة الرشيدة البناءة الذكية الايجابية التي تهدف إلى تعزيز الرقابة وإيقاظ الحس الأخلاقي وبناء الضمير والمحكمة الداخلية للرقابة الذاتية من قبل كل فرد بحيث تحكم سلوكه وتصرفاته وأفعاله وأقواله اتجاه نفسه والآخرين والمجتمع والعالم بأكمله. ومما يسبق يتضح أهمية دور المؤسسات التربوية الرسمية وغير الرسمية في إحداث الإصلاح الشامل للثقافة فضلاً عن ذلك لا بد من الاسترشاد بالبوصلة الثقافية الأخلاقية بجميع مكونات الثقافة من ناحية العموميات والخصوصيات والبدائل للمتغيرات المستجدة. كذلك الأمر يبدو مهم لتفعيل الرقابة الإعلامية ووضع حدود للجرائم الالكترونية واختراق الحدود الشخصية في مواقع البيئة الافتراضية ومواقع التواصل الاجتماعي وتعزيز الأمن السيبراني للثقافات بما فيها من مكنونات.